للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة الزهد]

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الإمام النووي رحمه الله: [باب فضل الزهد في الدنيا والحث على التقلل منها وفضل الفقر: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر:٥]، وقال تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوْنَ الْجَحِيمَ} [التكاثر:١ - ٦].

وقال تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:٦٤].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض).

وعنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم) متفق عليه.

وعنه أيضاً رضي الله عنه قال: (لقد رأيت سبعين من أهل الصفة ما منهم رجل عليه رداء إما إزار وإما كساء، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته) رواه النسائي].

ذكر الإمام النووي رحمه الله الآيات والأحاديث التي تدل على فضل الزهد في الدنيا والحث على التقلل منها وفضل الفقر.

ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالزهد، فقد جاء عنه أنه قال: (ازهد فيما عند الناس يحبك الناس، وازهد في الدنيا يحبك الله)، فالإنسان المؤمن إذا أعرض عن الدنيا ولم يطلبها، أتته الدنيا وهي راغمة، وليس المعنى أن يزهد فلا يأكل ولا يشرب ولا ينفق على أهله ولا يعمل، بل ينبغي أن يعمل كما أمره الله سبحانه ويأخذ بالأسباب، وإنما المذموم أن يكون همه الطمع في الدنيا وجمعها أو يبلغ به الحرص عليها حتى يستوي عنده الحلال والحرام، بل ينبغي ألا يأخذ من الدنيا إلا بالقدر الذي يكفيه، أما ما هو أكثر من ذلك فشيء يتركه ولا يسعى لحيازته؛ لأنه قد يضيع عبادته بسبب الكثرة والإكثار من الذنوب.

فلذلك يسعى الإنسان المؤمن لكفايته وكفاية أهله فحسب ولا يضيعهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وكفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت)، أي: كفى بالمرء إثماً أن يضيع أهله زوجة وأبناءً وآباء تجب عليه نفقتهم.

وفي رواية: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول)، وبذلك يعلم أن من يعمل لينفق على هؤلاء مأجور غير مأزور، أما إذا كان يعمل الليل والنهار ليجمع المال وأدى ذلك إلى أن يضيع الصلاة أو يضيع الصوم فإن عمله مذموم ينبغي عليه تركه.