[شرح حديث: (كن في الدنيا كأنك غريب)]
من الأحاديث التي جاءت في الباب حديث رواه الإمام البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل).
هذه نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم لـ عبد الله بن عمر يوصيه ويقول له: (كن في الدنيا كأنك غريب).
الغريب لا يفكر في المكان الذي هو فيه غريب وأنه دار إقامة؛ لأنه مسافر من بلد إلى آخر، ويريد أن يؤدي الذي عليه ويرجع لداره، فدارك الجنة، فكن في الدنيا كأنك غريب سترجع إلى دارك، فجهز الهدايا لهذه الدار التي ستبقى فيها بلا نهاية، فأنت مثل الغريب الذي يقيم في بلد أخرى غير بلده لا على وجه الاستيطان والإقامة، وإنما يمكث فترة ويرجع، فتراه يحاول أن يدخر المال من أجل أبنائه وزوجته، فأنت تدخر عملك الصالح في دار الدنيا لهذه الدار الآخرة.
يقول صلى الله عليه وسلم: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) أي: عابر طريق يمر بالطريق ولا يبني في الطريق بيتاً.
فالإنسان لا يؤمل في الدنيا كأنه سيخلد فيها، وإنما يكتفي برزق الله الحلال الذي آتاه، ويحمد الله عز وجل عليه، ولا يكون شرهاً في الدنيا طماعاً فيها؛ فإن الطماع والشره يموت بما يأكله.
قال: (وكان ابن عمر ينصح بعد ذلك فيقول: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك).
انتفع ابن عمر رضي الله تعالى عنهما بهذه النصيحة، فكان من أفاضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان محبوباً إلى الناس، وكان كثير الصدقة، وكان عظيم التواضع، وكان إذا قام يتعشى أو يتغدى يقول لمن حوله: اذهبوا لجارنا فلان المفلوج فائتوا به، فيجلس فيأكل مع ابن عمر ولعابه يسيل على صدره، ما قال له: أنا أتقزز منك، ولكن جلس يأكل معه تواضعاً لله سبحانه وتعالى؛ لأنه تعلم من النبي صلى الله عليه وسلم التواضع، فكان يقول: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)، فكان يقول: (إذا أصبحت فلا تنتظر المساء).
يعني: أن المؤمن ينبغي أن يعلم أنه في كل لحظة قد يأتيه الموت، فليكن في هذه اللحظة في خير عمل يلقى به الله سبحانه وتعالى.
ولذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (إن الله إذا أراد بعبد خيراً استعمله، قالوا: وكيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه، وإذا أراد الله بعبد شراً استعمله في الشر) أي: إذا أراد به شراً إذا به يسخر من الناس، وإذا به يصنع أفعالاً، بأن يمد يده ويسرق أو يرتشي أو غير ذلك، ويموت على ذلك، فهنا استعمل في الشر فكان من أهله.
أما المؤمن فالله عز وجل يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه، بأن يصلي فيموت وهو يصلي، أو يكون صائماً فيموت وهو على صيامه، أو يتصدق بصدقة ويموت بعدها، فيوفقه الله أن يكون آخر عمله الذي عمله من الأعمال الصالحة فيقبله سبحانه تبارك وتعالى.
يقول ابن عمر: (وخذ من صحتك لمرضك) يعني: استغل الوضع الذي أنت فيه، فأنت الآن شاب قوي وتقدر على أن تحفظ كتاب الله، فاحفظ القرآن، وإذا كنت تقدر أن تتعلم العلم الشرعي فافعل قبل أن تأتي عليك المشاغل فلا تقدر، وقبل أن يأتي عليك الكبر والشيخوخة فتنسى، لكن وأنت صغير تدرك ما لا تدركه وأنت كبير، فخذ من وقت صحتك لوقت مرضك، فالله كريم سبحانه وتعالى، يعامل العبد معاملة الكرم، فانظر حين تواظب على صلاة الجماعة إذا مرضت تسأل عنك الملائكة: أين فلان الذي كان يصلي هنا؟ وتذهب تعودك في بيتك، ويأمر الله عز وجل الملائكة أن تكتب للعبد ما كان يصنعه وهو صحيح، كذلك إذا سافر يكتب له ما كان يفعله مقيماً، فإذا كان مواظباً على الصيام في الحضر ثم سافر فلم يصم يكتب له كأنه صائم، هذا كله من فضله ومن رحمته سبحانه وعلى ذلك فقس.
ثم قال: (وخذ من حياتك لموتك) أي: خذ من حياتك ما تدخره بعد موتك.