معنى شهادة أن محمداً رسول الله
وشهادة المؤمن أن محمداً رسول الله معناها: أنه هو الذي اختصه الله عز وجل بالوحي دون غيره من هذه الأمة، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه، ولا يتلقى شرعاً إلا منه وحده عليه الصلاة والسلام.
وإذا جاء غيره بشرع كأن يزعم أنه رسول مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أن من حقه أن يشرع فيدعي أنه إله مع الله سبحانه وتعالى أو رب معه سبحانه، فالمؤمن لا يقبل إلا الشريعة من رب العالمين عن طريق الرسول صلوات الله وسلامه عليه.
فمعنى أشهد أن محمداً رسول الله: أنه وحده الذي جاء بالرسالة من عند رب العالمين سبحانه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (وأن عيسى عبد الله ورسوله) أي: عيسى بشر من البشر صلى الله عليه وسلم، وأنه عبد خلق من تراب كما خلق آدم من تراب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فهو عبد ورسول، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف:١١٠].
فالمؤمن وكذلك من يدخل في هذا الدين من أهل الكتاب لا بد أن يقول: عيسى عبد الله ورسوله ولا يكتفي بأن يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلا بد وأن يعترف ويقر بأن المسيح عبد الله ورسوله؛ لأنه كان قبل ذلك على عقيدة أن الله هو المسيح، أو أن المسيح ابن الله، أو المسيح ثالث ثلاثة، فالمسيح عبد لله وليس ثالث ثلاثة وليس ابناً لله سبحانه تبارك وتعالى، وليس هو الله.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (وكلمته ألقاها إلى مريم)، والكلمة من عند الله أمر من الله عز وجل، وهي كن فكان، وهنا تشريف له عليه الصلاة والسلام، وكل مخلوقٍ مخلوق بهذه الكلمة، قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢].
فأمر الله عز وجل للشيء على النحو الذي يريده، وعيسى اختصه الله بأنه كلمته وروح منه، وجبريل روح القدس، فجبريل روح من عند الله سبحانه تبارك وتعالى، كما أن المسيح روح من عند الله، وكما أن الله نفخ في آدم قال تعالى: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر:٢٩] يعني: من روح خلقها الله سبحانه، فأضافها إليه إضافة تشريف وتكريم كما تقول: بيت الله، أرض الله، سماء الله، فهذه مخلوقات خلقها الله فأضافها إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم، فكذلك أضاف عيسى إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم فهو روح الله عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (والجنة حق والنار حق) يعني: الذي يؤمن بأن الجنة حق فيعمل لها، وأن النار حق فيهرب منها، (أدخله الجنة على ما كان من العمل)، وجاء في حديث آخر: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة أصابه قبل ذلك ما أصابه).
والمعنى: أنه إذا عمل الموبقات ووقع في الفواحش والذنوب إلا الشرك بالله سبحانه وتعالى، يرجى أن تشمله رحمة رب العالمين، ولم يصبه إلا ما يصيب عصاة الموحدين من نار جهنم، كقاتل النفس المؤمنة بغير حق فهو في نار جهنم خالداً فيها، وغضب الله عليه ولعنه، وأعد له عذاباً عظيماً، فيعذب إلى ما يشاء الله سبحانه تبارك وتعالى.
فخلود في جهنم دون خلود الكفار، فالكفار لا يخرجون من النار أبداً، لكن هذا العاصي من الموحدين وإن مكث فيها آلاف بل ملايين السنين فيرجى له يوماً من الدهر أن يخرجه الله عز وجل من النار.
والمؤمن وإن قال: لا إله إلا الله، فليس معنى ذلك أنه لن يدخل النار، قال تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم:٧١].
والمؤمن يرجو ولا ييأس من رحمة الله، فإذا وقع في المعاصي فعليه أن يتوب إلى الله والله كريم يغفر ويرحم سبحانه تبارك وتعالى.
ومن رجحت سيئاته على حسناته دخل النار فعذب فيها، ثم بعد ذلك يدخله الله عز وجل الجنة.
وفي رواية: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم الله عليه النار) أي: إذا أتى بهذه الكلمة بشروطها وهي: العلم، اليقين، القبول، الانقياد، الصدق، الإخلاص، المحبة، الولاء والبراء، فالله عز وجل يحرم عليه النار؛ لأنه أتى بحقها، ولكن إذا قصر في الحقوق فقد استوجب العذاب إلى ما يشاء الله عز وجل له، ثم يدخله الجنة.