[شرح حديث: (والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته)]
كذلك من الأحاديث حديث أبي هريرة رضي الله عنه كما في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني، والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة).
يذكر في هذا الحديث العظيم أن الله عز وجل عند ظن عبده به، فالعبد لا يظن بالله إلا الخير، فإذا به يعمل الخير، والله عز وجل يعطيه الأجر على ذلك، ويكون عند ظن هذا العبد، فإذا أساء العبد وعلم أن الله غفور رحيم فتاب إلى الله عز وجل وأصلح حاله مع الله، وأصلح حاله مع الخلق، وأحسن الظن بالله أنه يتجاوز عن سيئاته، ويغفر له ذنوبه فهو عند ظنه: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني) في أي مكان يذكر الله عز وجل فإن الله عز وجل معه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة)، يفرح الله عز وجل بتوبة العبد إليه، والعبيد عبيد الله سبحانه، فلو شاء لأهلكهم وهو غير ظالم لهم سبحانه، ولو شاء لأعطاهم سبحانه تبارك وتعالى ولا ينفد ما عنده.
وهنا انظروا إلى العبد الذي خلقه الله، فإن الله به رحيم سبحانه، يفرح بتوبته، فإذا فرح بتوبة العبد هل تتخيل أنه يفرح بتوبته ثم يعذبه سبحانه تبارك وتعالى.
ولذلك يقول: (والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة)، وفي رواية أخرى أن هذا الإنسان الذي وجد ضالته في الفلاة: (كان عليها طعامه وشرابه، فإذا بهذه الناقة تنفلت) أي: تهرب منه وتضيع منه في الفلاة، (فأيقن بالهلكة)، لأنه لا ناقة له يرحل عليها، ولا طعام يأكله، ولا شراب يشربه، فجاء تحت ظل شجرة ووضع يده تحت رأسه ونام مستسلماً للموت فاستيقظ من نومه فوجد الناقة أمامه، (فاستيقظ ووجد ضالته أمامه، فإذا به يفرح فرحاً عظيماً، فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك! أخطأ من شدة الفرح) فهذه فرحة هذا العبد حين وجد ضالته، ولله عز وجل المثل الأعلى.
وهنا يفرح الله سبحانه بأن العبد يتوب إليه أشد من فرح أحدكم إذا ضل منه شيء في فلاة فوجده، فإذا فرح الله عز وجل بتوبة العبد هل نظن أنه سيحاسبه ويعذبه؟ الله سبحانه تبارك وتعالى أرحم بعبده.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه: (ومن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً).
والجزاء من جنس العمل، فإذا تقربت من الله عز وجل فإن الله يتقرب إليك، ولكن كيف ستتقرب إلى الله؛ هل ستصعد بسلم إلى السماء؟ لا، وإنما تتقرب إلى الله بالعمل، والعمل يرفع إلى الله عز وجل، فإذا تقربت بالعمل فإن الله عز وجل يتقرب إليك بجزاء هذا العمل، فأنت تتقرب إليه شبراً والثواب يكون عشرة أمثال، وأضعافاً مضاعفة لا يعلمها إلا الله سبحانه تبارك وتعالى.
فالمعنى: كلما تقربت إليه بعمل أعطاك ثواباً جزيلاً عظيماً لا يخطر على بالك، (من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً).
والذراع معروف.
والباع: هو فتح اليدين، أي: يعطيك أكثر مما تقربت إليه سبحانه تبارك وتعالى.
قال: (وإذا أقبل إلي يمشي أقبلت إليه أهرول)، والهرولة بمعنى: الإسراع للطاعة، فإن الله يسرع إليك بالثواب.
وفي الحديث الآخر: (إن الله لا يمل حتى تملوا) فيمل العبد، وحاشا لله أن يمل سبحانه، ولكن المعنى هنا أنه يقطع عنك الثواب والأجر حين تمل أنت من العبادة، فأنت تبادر وتسارع إلى الطاعة، والله يسرع إليك بثواب هذه الطاعة، أي: في الدنيا والآخرة، فإذا مل العبد وترك الطاعة انقطع عنه هذا الثواب حتى يراجع الطاعة مرة أخرى.
وفي رواية للحديث قال: (وأنا معه حين يذكرني).