للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما يقال عند الفراغ من الطعام]

روى البخاري عن أبي أمامة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، غير مكفي ولا مودع ولا مستغنىً عنه ربنا)، فهذا الحديث العظيم فيه أن الإنسان يقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فيعرف حق المنعم سبحانه وتعالى الذي أنعم على العبد بالطعام، وأنعم عليه بالشراب، وهو يُطْعِمُ ولا يُطْعَمْ سبحانه وتعالى، فالله عز وجل يكفيك وهو غير مكفي سبحانه وتعالى، فهل أحد يكفي الله عز وجل؟ أما نحن فكل منا يقول: أنا أحتاج إلى من يكفيني، وأحتاج إلى من يؤويني، وأحتاج إلى من يطعمني ويسقيني.

فكلنا نحتاج إلى ذلك، أما ربنا سبحانه وتعالى فلا أحد يكفيه، فهو مستغنٍ عن العالمين سبحانه وتعالى، ولا يحتاج إلى أحد.

فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله) يعني: أثني على الله سبحانه بالثناء الجميل الذي يستحقه سبحانه على أسمائه الحسنى وصفاته العلى، وعلى ما أنعم به علينا من فضل ونعم.

وقوله: (حمداً كثيراً طيباً) أي: يطيب هذا الحمد على لسان المؤمن، فيكون المقصود به الحمد الكثير، الحمد الذي يقوله الإنسان مع تنزيهه ربه سبحانه عن أي نقص.

وقوله: (مباركاً فيه) يعني حمداً يزداد كلما زادت نعم الله سبحانه وتعالى.

قوله: (غير مكفي) يعني: لا أحد يطعمه سبحانه، ولا أحد يسقيه حاشاه سبحانه وتعالى، فلا يحتاج إلى أحد، بل هو الذي يُطْعِمُ ولا يُطْعَمْ سبحانه وتعالى.

(ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا) يعني: لا نودع ولا نستغني عن ربنا سبحانه وتعالى، ولا نودع هذا الطعام بحيث يكون آخر طعام، فربنا سبحانه يعطي ويعطي، كما قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:٧]، فنحن غير مستغنين عن طعام يطعمناه ربنا سبحانه، ولا عن شراب يسقيناه ربنا سبحانه وتعالى، فقوله: (ولا مودع) يعني: غير متروك الطلب.

وكأن المعنى أن ربنا سبحانه وتعالى غير محتاج إلى أحد سبحانه، ولا نودعه سبحانه وتعالى، بل نحتاج إليه أبداً سبحانه وتعالى، ولا نستغني عنه، وهذا الذكر يقال بعد الطعام.

وفي حديث آخر رواه أبو داود والترمذي من حديث معاذ بن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أكل طعاماً فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه).

فانظر إلى كرم ربنا سبحانه وتعالى، فهو كريم عظيم سبحانه وتعالى، أعطى، وأطعم، وسقى، ثم يقول: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:٧]، فإذا أكل المرء وحمد الله تعالى أو شرب وحمد الله تعالى غفر له ربه سبحانه وتعالى بالشيء القليل الذي يقوله، وهو قوله: (الحمد لله).

فقول المرء: (الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة) معناه أن ربنا هو الذي أطعمني، وهو الذي رزقني هذا من غير حول مني، أي: من غير حيلة مني، ولكن الرزق بيد الله سبحانه، فهو الذي وجهني، وهو الذي جعلني أكسب هذا الشيء بفضله ورحمته، فهو الذي يوفق العبد للكسب الهنيء الطيب، فلا حول للعبد ولا قوة له إلا بالله سبحانه وتعالى، فإذا قال ذلك غفر الله عز وجل له ما تقدم من ذنبه.

نسأل الله عز وجل أن يغفر لنا ذنوبنا، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

وصل -اللهم- وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.