المؤمن ينظر في شرع الله بتمعن فينفذ ما أمره به الله ولا يستحيي من أحد، فإذا كان أهل المعاصي لا يستحيون من معاصيهم التي يفعلون، فتجده يعمل شعره بصورة معينة كالشيطان، ثم يمشي في الشارع ويقول: هذه موضة، ولا يستحيي من ذلك.
وتجد المسلم يستحي أن يقصر القميص؛ لأن الناس سيقولون علي كذا وسيفعلون، فهنا أنت تقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم فمالك وللناس؟ فلو نظرت لكلام الناس فلن تذهب ولن تأتي، فمن الصعب أن ترضي الناس؛ لأن رضا الناس غاية لا تدرك، ورضا الله غاية تدرك فلا تترك هذه الغاية، ثم ما الذي يجعلك تعرض عن رضا الله إلى رضا الناس؟! وقد طمأنك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(إذا أرضيت الله بسخط الناس رضي الله عنك وأرضى عنك الناس)، فرضا الله تبارك وتعالى هو أعظم الغايات وأجلها، قال:(ومن أرضى الناس بسخط الله سخط عليه الله وأسخط عليه الناس)، أرضى الناس بالنفاق والكذب والمعصية ثم بعد قليل يقول الناس: أليس هذا الذي كان يعمل المعصية وكان يعمل كذا وكذا لكي يجامل من حوله؟ إذاً فغضب الله على هذا الإنسان جعل الناس يغضبون عليه ولم يرضهم بذلك.
فليكن لك طريق واضح هو طاعة الله سبحانه تبارك وتعالى، فالذي ترضيه بالمعصية قد يتوب يوماً من الأيام، ثم بعد ذلك يسخط عليك ويقول: كنت تغويني وتضلني، وكنت تنافقني وأنت تعمل هذا الشيء، فتسقط من عينه في يوم من الأيام، فما الذي يجعلك ترضي الناس بمعصية الله سبحانه؟! وهنا قال:(إياك وإسبال الإزار فإنه من المخيلة، والمخيلة لا يحبها الله سبحانه تبارك وتعالى).
فلا تتعاظم على الناس، ولا تفعل شيئاً تحس فيه أنك أعلى من الناس، حتى إنك تجد بعض الناس يلبس نظارة معينة، ويضع على رأسه شيئاً معيناً كطرح النساء ثم يربطها ويمشي بها تقليداً للغرب في هذه الأشياء، ويظن أنه أصبح أعلى من الناس، وفي الغرب يعملون هذه الأشياء بداعي الحرية؛ لأنهم يشعرون في أعماق قلوبهم بشيء من الذلة والحقارة، فيريدون طرد هذا الشعور بهذه الأشياء العجيبة! حتى إنهم يعملون اجتماعات لأنفسهم في أماكن معينة؛ ليعمل كل واحد منهم ما يشاء، فهذا يغني بصوت مرتفع أوحش من صوت الحمار والآخرون يسمعون وهذا يرقص ويتمطط بزعم الحرية، وفي الحقيقة هم يريدون أن يهربوا من شيء لا يعلمون ما هو؛ لأن الشيطان سكن قلوبهم، ثم يحلو لهم الانتحار في النهاية، وهم بعكس المؤمن تماماً، فالمؤمن قد يبيت جائعاً تارة ومريضاً تارة أخرى إلا أنه راض بالله سبحانه وتعالى، والكفار يحسدون المؤمنين على هذا الرضا والطمأنينة بالله سبحانه كما يقول:{أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد:٢٨]، فلا يستطيعون أن يصلوا إلى هذا الشيء، وفي الآخر ينتحرون ليتخلصوا بزعمهم من هذه الدنيا، كفر في الدنيا ونار في الآخرة والعياذ بالله، ومع هذا كله تجد المسلم في النهاية يقلد هؤلاء ويجعلهم أئمة يتبعهم في دينه ودنياه، ويظل ماشياً وراءهم في شذوذهم وغرورهم في لباسهم وأفعالهم وكفرهم بالله سبحانه تبارك وتعالى، فأين عقل الإنسان المسلم؟! فالمسلم دينه الإسلام، وغايته واحدة وهي رضا الله سبحانه تبارك وتعالى، فإذا أرضى الله رضي الله عنه وأرضاه، وليس شرطاً أن يعطيك في الدنيا ليكون راضياً عنك، بل يرضيك الله بأن يجعل الطمأنينة في قلبك كما جعلها في قلب النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يبيت الليلة والثانية والثالثة لا يجد في بيته طعاماً، ولا يوقد في بيته الشهر والشهرين نار عليه الصلاة والسلام، وقد كان يعصب الحجر على بطنه من شدة الجوع، ففي رضا الله عز وجل يهون كل شيء.
فالإنسان المؤمن ينتظر رضا الله عز وجل عنه بأن يرضيه، وأن يجعل قلبه ممتلئاً بالإيمان، وأن يجعل في قلبه حب الله سبحانه تبارك وتعالى، فيستشعر أنه غريب في هذه الدنيا، وأنه كالإنسان المسافر المرتحل عن دار الغربة إلى دار الإقامة الأبدية، فلا يتوقف ولا يستريح إلا بعد أن يبلغ منيته وهدفه وهو الفوز بالجنة والنجاة من النار.
فعلى المسلم أن يستشعر قصر وقت الدنيا، فيعمر دنياه بالطاعة والعبادة، ويجعل الموت نصب عينيه، فلو جاء ملك الموت لقبض روح الإنسان لتمنى أن يصلي ركعتين فقط لله عز وجل، وما هو بفاعل ذلك، ولو تركه يصلي ركعتين بمقابل ثمن معين يدفعه لدفع كل شيء في سبيل ذلك، والآن يستطيع أن يصلي ألف ركعة بل مليون ركعة فلم لا يفعل ذلك؟ ولم يغتر بهذه الدنيا ويترك طاعة الله ورضاه سبحانه تبارك وتعالى؟