روى البخاري عن جابر رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من الأنصار ومعه صاحب له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان عندك ماء بات هذه الليلة في شنة وإلا كرعنا) رواه البخاري.
والشنة: هي القربة، والمعنى: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحب أن يكون الماء بايتاً في القربة، ومعلوم أنك إن ملأت قربة من الماء وتركتها إلى أن تبيت، فإن كان الماء متعكراً بالتراب فسيصفى وينقى، حيث ينزل التراب إلى أسفل القربة، أما إذا ملئت القربة قريباً ولم يبت الماء فيها فسيبقى فيها أثر التعكر بالتراب، وهذا هو مقصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقوله:(وإلا كرعنا)، وهذه وإن كان ليست عادة النبي صلى الله عليه وسلم إلا كأن ذلك كان مراعاة للحال، حيث لم يجد عند الرجل شيئاً أمامه، وكأنه وجد ماء في إناء كبير ومرتفع، ولم يجد كيزاناً ليشرب، ولعل يده كانت متسخة أو فيها قذى معين، فيلجأ إلى الكرع: وهو أخذ الماء بفمه من ذلك الإناء.
ويحتمل أن يكون قال ذلك تواضعاً منه صلى الله عليه وآله وسلم، وكأنه يقول لصاحب الدار: إنا لن نثقل عليك، ولن نكلفك بأن تشتري لنا كيزاناً، أو تأتي بها من جيرانك، بل إذا لزم الأمر سنكرع من هذا الإناء كرعاً، وفيه دلالة على أدب النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه الجم.