الفائزون بالجنة هم الذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً
قال الله عز وجل:{تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[القصص:٨٣].
فالجنة في الدار الآخرة يجعلها الله سبحانه وتعالى للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً، لا يريدون أن يعلوا، لا يريدون أن يفسدوا، بل يريدون أن يتواضعوا، ومن تواضع لله رفعه الله، وأبى الله أن يرفع شيئاً إلا وضعه، والتواضع من الضعف، فإن كان يجعل نفسه قليلاً شأنه، فيتواضع ويحقر من شأن نفسه، فقد عرف قدر نفسه، فهو عند الله عز وجل له منزلة عظيمة، ويرفعه الله سبحانه.
فالإنسان الذي يرى نفسه عظيماً ويرى أنه يستحق أن يعظم، يأبى الله إلا أن يضعه، فمهما ترفع على الخلق احتقره الخلق، حتى وإن أظهروا له المحبة، وإن أظهروا أنهم يشرفونه ويرفعونه، ولكن يأبى الله إلا أن يحقره، ويجعله حقيراً عند الخلق، فأبى الله أن يرفع شيئاً إلا وضعه.
وحديث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى معلوم، وذلك لما كانت العضباء وهي ناقة النبي صلى الله عليه وسلم سريعة جداً، ففي يوم من الأيام جاء أعرابي على قعود، أي: راكب على جمل فسابق العضباء فسبقها، فحزن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهم:(أبى الله أن يرفع شيئاً إلا وضعه).
فالنبي صلى الله عليه وسلم يطمئنهم بذلك، ويطيب خاطرهم، ويخبرهم أن الله أن يرفع شيئاً من الأشياء إلا وضعه الله سبحانه وتعالى، والإنسان في الدنيا لا يزال يرتفع ويرتفع ويرتفع إلى حد معين، فينخفض بعد ذلك في هذا الحد إلى أن يرجع إلى أصله مرة ثانية، فيأبى الله أن يرفع شيئاً ويدوم له الارتفاع، فالله وحده له الكمال سبحانه، والله هو الخافض الرافع سبحانه وتعالى، يخفض ما يشاء، ويرفع ما يشاء.
فقوله صلى الله عليه وسلم:(أبى الله أن يرفع شيئاً إلا وضعه)، يعلم المسلمين أن يتواضعوا، وأنك مهما ارتفعت فلا تفرح بارتفاعك، ولا تفرح بغرور الدنيا، فالإنسان يفرح بشبابه، ويفرح بقوته، ويفرح بماله، فيأتي عليه زمان يفقد فيه المال، ويفقد فيه شبابه، وينتقل إلى الهرم والشيخوخة، ويأتي عليه زمان يفقد فيه قوته وهكذا.
فلا تفرح بشيء تبختراً، فلابد أن تستمع إلى النصح وإلى الحق من غيرك، ولا تظن أنك في غنى عن الناس؛ فإن الله يأبى أن يرفع شيئاً إلا ويضعه.