للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (البر ما اطمأنت إليه النفس)]

روى الإمام أحمد والدارمي بإسناد فيه ضعف: عن وابصة بن معبد رضي الله عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: جئت تسأل عن البر؟ قلت: نعم.

فقال: استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك).

هذا الحديث له شاهد آخر من حديث أبي ثعلبة بالمعنى نفسه، فالمعنى صحيح، ويدل عليه حديث النواس الذي ذكرناه قبله، وهذا الحديث فيه حكاية ذكرها الإمام أحمد في مسنده، فيها: أن الرجل ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم والناس مزدحمون حوله، فأراد الإقبال على النبي صلى الله عليه وسلم، فنهاه الناس أن يفعل هذا أمام النبي صلى الله عليه وسلم، فالرجل علل بأنه يحب النبي صلى الله عليه وسلم حباً شديداً يدفعه لذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهم: (أفسحوا لـ وابصة).

فجاء وابصة يريد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، وقبل أن يسأل قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (تسأل أم أخبرك؟) قال: بل أخبرني يا رسول الله! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (جئت تسأل عن البر؟ قال: نعم، فقال صلى الله عليه وسلم: استفت قلبك)، يعني: الأمر الذي يشكل عليك لعلك تسأل عالماً من العلماء وبحسب صيغة السؤال يعطي الجواب، فالمرء قد يسأل بطريقة معينة ويفتي العالم بأن ذلك حلال ليس فيه شيء، فإذا بالعالم الآخر يعطي تفاصيل أكثر وينقلب الجواب؛ لأنه حرام ليس حلالاً، فعلى هذا المرء أن يستفتي قلبه ويأخذ بأحد الأمرين، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب).

وإذا اطمأن قلبك لشيء فافعل هذا الشيء، وإذا شككت فيه وحاك في قلبك وفي صدرك فاترك هذا الشيء، والإنسان أدرى بما في قلبه وبما يريد؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك).

يعني: الفتوى وحكم الحاكم لا تغير من حقيقة الأمر شيئاً فالحرام حرام وإن أجاب المفتون على سؤالك بأنه حلال، كأن يجد الإنسان قطعة من الأرض في مكان، وصاحبها غائب منذ زمن، فيأخذ الأرض ويضع يده عليها، ويأتي إلى المحكمة والقاضي يحكم له، أنه بوضع اليد تكون قطعة الأرض له.

فهي ليست أرضه وليست ملكه، حتى وإن حكم القاضي أنها له؛ لأنه يعرف بنفسه أنها ليست له، فلا يخدع نفسه بذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين)، يعني: يجعل الطوق في عنقه من سبع أراضٍ يوم القيامة {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:٤]، فلا يخدع نفسه، ولا يخدع غيره.