للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما يقال ويفعل في صلاة الجنازة]

وأما ما يقال في صلاة الجنازة فإنه يكبر المصلي أربع تكبيرات، يتعوذ بعد الأولى، ثم يقرأ فاتحة الكتاب، وأما في الصلاة العادية فإنك تبدأ بعد تكبيرة الإحرام بالاستفتاح في الصلاة بنحو قولك: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك).

أو: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس) إلخ.

لكن صلاة الجنازة ليس فيها ذلك، فصلاة الجنازة صلاة سريعة، تبدأ فيها بعد التكبير بقولك: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم) ثم تقرأ الفاتحة، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الجنازة استفتاح.

ثم يكبر الثانية، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعدها، سواء أرفع اليدين في كل تكبيرة أم اكتفى برفع اليدين في التكبيرة الأولى فقط، فهذا كله واسع، والأمر جائز في ذلك وواسع.

لكن الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث أنه كبر ورفع في التكبيرة الأولى، ولم ينقل الرواة أنه رفع بعد ذلك، بل سكتوا عن التكبير الذي بعد ذلك، فمن قال: الأصل أن كل فعل في الصلاة يحتاج إلى دليل فإنه يقول: أتوقف في ذلك فلا أرفع في غير التكبيرة الأولى.

ومن قال: إن بعض الصحابة ثبت عنه أنه رفع اليدين في كل تكبيرة مثل عبد الله بن عمر فإنه يقول: إن الصحابي فعل ذلك، فنأخذ بفعله.

ولذلك قلنا: الأمر واسع، فإن شئت رفعت اليدين وإن لم تشأ لا ترفعهما؛ إذا لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم نص في أنه رفع في غير تكبيرة الإحرام.

والحاصل: أنه يتعوذ بعد الأولى ويقرأ الفاتحة، ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بما هو مذكور في آخر التشهد، فيقول: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد)، ثم بعد ذلك يكبر ويدعو للإنسان المتوفى.

يقول لنا النووي رحمه الله: ولا يفعل ما يفعله كثير من العوام من قراءتهم: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب:٥٦]؛ لأنه كان الاختراع والابتداع في زمن الإمام النووي كثيراً، وفي كل زمان تجد أشياء من ذلك.

فكانوا يفعلون ذلك في عهد الإمام النووي، فنبه على أن هذه آية في القرآن، لكن لا تفعل ما يفعله هؤلاء؛ فإن هذا ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

يقول النووي رحمه الله تعالى: فإنه لا تصح صلاته إذا اقتصر عليه.

أي: أن بعض الناس بدلاً من أن يقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد يقول: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦].

فهنا لم يأت بالأمر: (صلوا) ولم ينفذه، مع أن المطلوب هنا التنفيذ، بأن تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: (اللهم صل على محمد).

ثم يكبر الثالثة ويدعو للميت وللمسلمين بما سنذكره من الأحاديث إن شاء الله، ثم يكبر الرابعة ويدعو، ومن أحسنه: (اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله)، فهذا دعاء قصير جداً، والمقصود: أن تخلص في الدعاء، فإذا أخلصت في الدعاء فادع بما شئت.

يقول رحمه الله: والمختار أن يطول الدعاء في الرابعة، خلاف ما يعتاده أكثر الناس.

يعني: أن بعض الناس يرى أنه بعد التكبيرة الرابعة يسلم، وهذا يختاره بعض أهل العلم، فيكبر التكبيرة الرابعة ويسلم، فالإمام النووي يقول: المختار أنه يدعو ويطيل الدعاء بمثل هذا الذي ذكره، وهو: (اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله).