[النهي عن إشاعة الفاحشة بين المؤمنين]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام النووي رحمه الله: [باب ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها لغير ضرورة.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [النور:١٩].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يستر عبد عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة)، رواه مسلم.
وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان! عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عليه).
وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثانية فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر)، متفق عليه].
مما دعا إليه الكتاب وسنة النبي صلى الله عليه وسلم أمر الإنسان بالستر على نفسه، وعلى غيره، ولا يجاهر بالمعاصي فيفضح نفسه، فإن الذي يفضح نفسه في الدنيا يفضحه الله عز وجل يوم القيامة، والذي يستره الله عز وجل في الدنيا يستره يوم القيامة بفضله وإحسانه سبحانه وتعالى.
يقول الله عز وجل في سورة النور: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [النور:١٩].
(تشيع الفاحشة) عكسها: تستر الفاحشة ولا تتفشى بين الناس، ولا تعرف ولا يطلع عليها أحد، فالله ينهى عن إشاعة الفاحشة بين المؤمنين.
{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} [النور:١٩]، الذين يحبون هذا الشيء هم الفسقة والكفرة والمجرمون، فهم يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وإذا فعل الذين آمنوا هذه الفاحشة فلن يوجد أحد ينهى عنها، مثلما فعل بنو إسرائيل وارتكبوا الفواحش، ووقع فيها كبارهم وشرفاؤهم، فضيعت حدود الله عز وجل، وما بقي أحد ينكر على أحد.
فهنا الذي يحب أن تشيع الفاحشة هو صاحب فاحشة، يريد أن يفعلها فلا تُنكَر عليه، وحتى لا تنكر عليه يأتي هو وغيره ويشيع الفاحشة بين المؤمنين حتى يفعلوها، وحتى يتحدثوا بها، وحتى يسهل أمرها عليهم، فهم يحبون أن تشيع الفاحشة.
(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ) أي: يتمنى أن تشيع الفاحشة بين الناس حتى يفعلها ولا ينكر أحد عليه ذلك، فكيف بمن يشيعها ويمارسها؟ الأول لعله لم يفعل، ولكن أحب أن تنتهك حدود الله عز وجل، وأحب أن تشيع الفاحشة من زنا وغيرها بين الناس، فهذا الذي أحب ذلك له عذاب أليم في الدنيا والآخرة، والذي أشاعها قولاً وفعلاً بين الناس هذا أولى بهذه العقوبة والعياذ بالله! إشاعة الفاحشة تكون بالقول، كإنسان يستسهل الكلام عن القبائح، وعن الفضائح والرذائل، وعن أمر الزنا، وعن أمر اللواط، ونحو ذلك، يتكلم ويحكي هذه الأشياء لغاية ما، ومن ثم يبقى سماعها عند الناس أمراً سهلاً فلا ينكر أحد منكراً من المنكرات، فهؤلاء {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:١٩]، الله يعلم ما الذي يصلح خلقه، ولذلك أمرنا بالستر ونهانا عن إشاعة الفاحشة بين المؤمنين.
{وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} يعلم أخلاق الكفار، من حبهم لإشاعة الفاحشة، وأخلاق الفسقة وما في قلوبهم، ولذلك حذركم من الفريقين، وأخبركم أنه لن يرضى عنكم هؤلاء الكفار حتى تكونوا مثلهم: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:١٢٠].
ونهانا عن تولي الكفار والمشركين وقال: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:٥١].
فهؤلاء الفسقة الذين يحبون المعاصي والفواحش ويفعلونها، ويريدون أن يسكت المسلمون عليها، يحذرنا ربنا سبحانه وتعالى أن نكون مثلهم، ويحذرهم بأن لهم العذاب الأليم في الدنيا وفي الآخرة، فقد تأتي عقوبة الله عز وجل لهؤلاء في الدنيا، فقد يذيقهم المرض في الدنيا, ويذلهم أمام الناس، انظر للممثلين والممثلات والراقصات وغيرهم الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، الذين يتشدقون بالفسق ويسمونه فناً، وبعد ذلك تكون آخرتهم آخرة سوداء يعلمها الله تعالى، فتجد الرقاصة ومعها مال كثير وبعد فترة قليلة إذا بها تفلس، ولم تعد تجد ثمن الدواء الذي تتعالج به.