للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سنن النوم]

الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن، وهذه سنة من السنن وهي أنك في بدء نومك تنام على شقك الأيمن، فإن كبد الإنسان في الشق الأيمن منه، والمعدة في الوسط ومائلة إلى الشق الأيسر.

فإذا نام على جانبه الأيسر وخاصة إذا كان شابعاً يقوم الكبد والثقل يضغط على معدة الإنسان فلعله في أثناء النوم يتعبه ذلك، ويساعد على صعود العصارة المعدية إلى فمه وهو نائم؛ فلذلك تبدأ النوم على الشق الأيمن فهو أيسر عليك من أن تنام على شقك الأيسر.

فهذا من السنن وليس من الفرائض.

قال: ثم قال: (اللهم أسلمت نفسي إليك)، وفي الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للبراء: (إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة)، فعلمه سنة أخرى من السنن وهي أن تتوضأ كوضوئك للصلاة، ومعلوم أنه ليس هناك وضوء ثان غير وضوء الصلاة، ولكن كأن المعنى اللغوي عندهم من معاني الوضوء التنظف، أو غسل اليدين، فهنا حتى لا يشكل عليه ذلك ويظن أن المقصود التنظف أو غسل اليدين قال: (توضأ وضوءك للصلاة) يعني: كما تتوضأ للصلاة توضأ أيضاً حين تذهب للنوم.

قال: (ثم اضطجع على شقك الأيمن) أي: عندما تنام ابدأ النوم على جانبك الأيمن، وقل هذا الذكر العظيم واجعله آخر ما تقول، حيث قال: (واجعلهن) أي: هذه الكلمات (آخر ما تقول).

قال: ثم قل وذكر الحديث: (اللهم أسلمت)، أو تقول: (إني أسلمت)، فكله جائز.

وقوله: (أسلمت نفسي إليك) أي: مسلماً نفسي لله سبحانه يحكم فيها بما يشاء، ويتحكم فيها بما يريد سبحانه وتعالى، فأنا أسير مستسلم لك يا رب.

وقوله: (ووجهت وجهي إليك).

أي: أنا على دينك حيثما توجهت كما قال تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:١١٥] فإن كنت نائماً على شقك الأيمن سواء كان السرير في هذه الناحية إلى القبلة أو لم يكن، وإن كان الأفضل أن يكون إلى القبلة، فيكون وهو نائم متوجهاً إلى القبلة ولكن لم يلزم النبي صلى الله عليه وسلم البراء بذلك.

وقوله: (قل ذلك: وجهت وجهي إليك) أي: أتوجه إليك بعبادتي، في صلاتي ونسكي، ومحياي ومماتي، وقيامي ونومي، فأنا متوجه إلى الله عز وجل، عابد لله في كل أحوالي.

وقوله: (وجهت وجهي إليك) أي: أن وجه الإنسان إلى الله سبحانه، والوجه أشرف ما في الإنسان، فإذا توجه الوجه صار البدن أيضاً متوجهاً إلى الله سبحانه، فمعنى: وجه الوجه، أي: انقاد بكليته إلى طريق الله سبحانه وتعالى.

وقوله: (وفوضت أمري إليك) أي: أني أفوض الأمور إلى الله، فلا حول لي ولا قوة، ففيها التبرؤ من الحول والقوة، والاعتراف بالعجز والتقصير، وأن الذي يدبر أمري هو ربي سبحانه وتعالى، فأفوض أمري إليه، وأتوكل عليه سبحانه، وأكل إليه جميع أموري، فهو الذي يدبرها وليس أنا، وإنما أنا آخذ بالأسباب والذي يدبر الأمر هو الله سبحانه، والذي يصرف الأمور هو الله سبحانه، والذي يقلب القلوب هو الله سبحانه.

قوله: (وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك)، الإنسان يلجأ إلى الشيء؛ لأنه يجد من يهاجمه ويؤذيه فيحتاج إلى من يكون ظهيراً له.

فكأنه يوجه ظهره إلى الله سبحانه وتعالى، فهو ناصره، وهو يحميه سبحانه وتعالى، فالإنسان في الحرب يقول لزميله: أنا سأتقدم وأنت احم ظهري، فأنت هنا وأنت نائم تقول: (ألجأت ظهري إلى الله)، ملجأي وملاذي ومعادي إلى الله سبحانه وتعالى.

وقوله: (ألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك) أي: أن هذا الذي أفعله كله تحت هذين الصنفين: الرغبة والرهبة، فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يدعون ربهم رغباً ورهباً، رغبة فيما عند الله، ورهبة مما عند الله سبحانه، وكذا العبادة لا تقوم إلا على أن ترغب فيما عند الله فتطمع في جنته، وقد أمرت أن تسأل الله سبحانه وتعالى من فضله ورحمته فإنه لا يملكها إلا هو، وتستعيذ بالله من ناره وعذابه.

فهنا رغبة طالب راغب فيما عند الله سبحانه من فضل، ورهبة راهب خائف مما عند الله من عذاب ومن نار، فقوله: (رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك) أي: أنا هنا توجهت إليك، وألجأت ظهري إليك، واستعذت بك، فأنت الذي تعصمني وتنصرني وتحميني، وأنا لا ملجأ لي إلا عندك.

فملجأ الإنسان هو المكان الذي يلجأ إليه ليتعوذ به، وأنت ملجأك إلى الله سبحانه وتعالى، ومنجاك أي: مهربك الذي تهرب وتفر إليه هو الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يحميك وينصرك سبحانه، فإذا أخطأ الإنسان أو أساء لم يذهب إلى ربه سبحانه، وكأنك تقول: إني وإن أخطأت أو أسأت أو قصرت ووقعت في المعاصي: (لا ملجأ لي ولا منجا منك إلا إليك)، وهذا مثل الحديث الآخر الذي جاء فيه: (أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك).

فإذا تعوذت طلبت المعاذ والملاذ والملجأ والمهرب الذي تهرب إليه، ومن هذا الذي يعيذك من الله، وتلوذ به من الله سبحانه وتعالى؟! لا أحد، ولكن معاذك الله سبحانه، فهو الذي يعيذك وينجيك، فتقول لله سبحانه وتعالى: (لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك) أي: أهرب من عذابك إلى رحمتك، وأهرب من نارك إلى جنتك، فالكل بيد الله سبحانه وهو الذي يدبر أمر الكون سبحانه.

وقوله: (آمنت بكتابك الذي أنزلت).

يعني: أنا مؤمن يا رب، وأنت كريم تعفو وتغفر، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء:٤٨] فكأنك تقول: أنا لست مشركاً، بل أنا مؤمن بك يا رب فاغفر لي، وكن ملجئي ومعاذي.

وفيه الثقة بالله عز وجل، والعقيدة القوية في قلب المؤمن التي يعبر عنها بلسانه بقوله: آمنت بكتابك الذي أنزلته على نبيك من السماء، ونبيك الذي أرسلته إلينا، فقد صدقت وأيقنت وعلمت وتوجهت فتقبل مني ذلك، فإذا قال العبد ذلك، وجعل ذلك آخر ما يقول فمات فلا يرجو إلا الخير من رحمة رب العالمين سبحانه.