للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرجل على دين خليله]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرجل على دين خليلة، فلينظر أحدكم من يخالل)، رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح، ومعنى الحديث أن الرجل مقلد لصاحبه.

والإنسان السوي يمشي مع السوي، والسيئ يمشي مع السيئ، ولذلك لا يصطحب اثنان إلا لصفة جامعة بينهما، وحين تجد الإنسان يميل إلى إنسان آخر فاعرف أن هناك صفة مشتركة بين الاثنين تعجبهما، إما أن هذا مصل وهذا مصل، وإما أن هذا كثير صيام وهذا كثير صيام، وإما أن هذا يمزح والثاني مثله يحب المزح، وإما أن هذا فاسد والثاني مثله يحب الفساد، فلا بد أن تكون هناك صفة جامعة بين الاثنين، ولذلك قالوا: أنهم رأوا حمامة تطير مع غراب ومن غير الممكن أن تطير حمامة مع غراب فجعلوا يراقبون الحمامة والغرب فوجدوا أن الاثنين أقدامهم مكسورة فجمعتهم علة واحدة، وهي الكسر.

فكذلك الأشقياء يجتمعون مع بعضهم فيستأنس كل منهما بعيب الآخر، ولذلك تجد الإنسان الفاسد حين يجد الإنسان الصالح ينفر منه، ويتضايق منه، ولا يحبه ولا يحب أن يمشي معه، لأنه إذا مشى معه سيقال له: فلان أحسن منك، فيريد الذي يكون مثله في الفساد، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (الرجل على دين خليله) وإذا كان صاحبه الذي يحبه في دينه رقة، ستجد أن هذا الشيء موجود فيه، وإذا كان يصاحب الإنسان التقي قوي الإيمان ستجد أن في قلبه من الخير ما يدفعه لصحبة هذا الإنسان الخير، فلينظر أحدكم من يخالل، أي: من يصادق ومن يصاحب ومن يكون خليلاً له، حبيباً له وقريباً من قلبه.

وفي الحديث الآخر المتفق عليه: (المرء مع من أحب)، فإذا كان يحب الصالح، فإن يكون معه يوم القيامة، وإذا كان يحب الإنسان المفسد الفاسد، فإنه يكون معه يوم القيامة.

وتكملة هذا الحديث أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله: (متى الساعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أعددت لها؟)، فالرجل كأنه تأثر وقال: (ما أعددت لها من كثير صوم ولا صلاة)، أي: لم أجهز لها كثير صوم ولا صلاة ولكن هناك شيء أعددته للساعة قال: (ولكني أحب الله ورسوله)، يعني في قلبي المحبة لله عز وجل وللرسول صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت مع من أحببت).

فبعدما صدمه بالسؤال الذي أوقف الرجل وجعله يراجع نفسه، أعطاه الجواب الجميل منه صلى الله عليه وسلم الذي طمأنه: أنت تحب الله فأنت في جنته، وتحب الرسول، فأنت معه صلوات الله وسلامه عليه (المرء مع من أحب)، وفي الرواية الأخرى، قال: (ما أعددت لها؟ قال الرجل: ما أعددت لها من كثير صوم ولا صلاة ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت).

هذا من حديث أنس، وجاء من حديث ابن مسعود وفيه: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا رسول الله! كيف تقول في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم)، يعني هو يحب أناساً صالحين لكن لا يستطيع أن يدركهم، فلا يستطيع أن يصلي مثلهم، ولا يستطيع أن يحفظ مثلهم ولا يستطيع أن يصوم مثلهم، لكنه يحبهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب)، فكانت كلمة أعجبت الصحابة وطيبت نفوسهم؛ لأن كلاً منهم يحب النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن من مثل النبي صلى الله عليه وسلم ومن سيعمل عمله، وكانوا يخافون أن لا يروه يوم القيامة، لأن درجته في الجنة عالية فطمأنهم النبي صلى الله عليه وسلم أن المرء مع من أحب.