[تيسير الغني الشاكر لليسرى في الدنيا والآخرة]
يذكر المصنف هنا قول الله تبارك وتعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:٥ - ٧].
اليسرى: هو التيسير من الله سبحانه في الدنيا بأعمال الخير، وفي الآخرة على الصراط المستقيم إلى جنة رب العالمين سبحانه، والشرط الذي فيه هو: التصديق رجاء الثواب، والإعطاء، والتقوى لله سبحانه وتعالى، وقد جمعها الله عز وجل في قوله: ((فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى)) هذه واحدة، ((وَاتَّقَى)) هذه الثانية، ((وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى)) هذه الثالثة.
شرط قبول العمل والأجر العظيم: الإيمان، فالإنسان المؤمن يجد هذه الأعمال يوم القيامة وافية عند الله سبحانه، أما الكافر فيجازى في الدنيا ويمنع ذلك يوم القيامة.
المؤمن أعطى لله سبحانه مع التقوى، فهو ليس فاجراً يعطي المال رياء وسمعة، ولكنه يعطيه ليتقي النار يوم القيامة، فهو أعطى ابتغاء مرضاة الله، خائفاً من عذاب الله سبحانه، وكما أنه أعطى واتقى فهو مصدق مؤمن بالجزاء يوم القيامة وليس مكذباً، أو كافراً، أو مشركاً، إنما هو مصدق بجنة رب العالمين، وأن الذي يعطي فإن الله يكافئه ويعطيه، هذا الذي يستحق التيسير.
قال سبحانه: ((وَسَيُجَنَّبُهَا))، أي: يجنب العقوبة ويجنب النار الكبرى ((الأَتْقَى)) والأتقى من التقي، وسبب تجنيب هذا الإنسان التقي أنه {يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [الليل:١٨]، فهو ينظر في المال ويخرج منه الزكاة.
إذا أخرج زكاة المال طيبة بها نفسه طهر الله المال والنفس مما فيها من معاص وذنوب.
{يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [الليل:١٨]، أي: يعطي ماله يتزكى بذلك.
{وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [الليل:١٩]، الذي يعطي المال ربما يعطيه هدية في مقابل شيء ما وينتظر مقابل هديته شيئاً آخر، أما هذا فقد تعلم ما علمه الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر:٦]، يعني: لا تعط مالاً فتمن على من أعطيت مستكثراً لهذا الذي آتيته، أعط ولا تستكثر المال، فليس المال مالك إنما المال مال الله تبارك وتعالى.
ومن معانيها أيضاً: لا تعط مستكثراً من عطاء الناس، عادة الإنسان أن تعطيه هدية فيردها لك بهدية مثلها، وقد يعطي الفقير للغني مالاً ابتغاء أن يعطيه الغني أكثر.
{وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر:٦] أي: لا تعط هدية تطلب عليها المثوبة، أو تطلب من الناس أن يعطوك أكثر منها، وحاش للنبي صلى الله عليه وسلم أن يكون هذا خلقه، فما كان يعطي هدية إلا ابتغاء وجه الله تبارك وتعالى، فقال له ربه مؤدباً: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر:٦].
وهنا قال سبحانه في هذا الإنسان الأتقى الذي يعطي ماله يتزكى، {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [الليل:١٩].
وفي الحديث: (أن رجلاً خرج مسافراً لزيارة أخ له في الله، فأرصد الله عز وجل له على مدرجته في طريق السفر ملكاً في صورة إنسان فسأله: إلى أين تذهب؟ قال: لأخي فلان أزوره في الله، قال: لحاجة لك عنده؟ قال: لا.
قال: لنعمة تردها عليه؟ قال: لا، ولكني أحبه في الله، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله يحبك كما أحببته).
وجاء في الحديث: (ليس الواصل بالمكافئ)، الذي نصفه ونقول: هذا يصل رحمه ليس هو المكافئ، ولكن الذي إذا انقطعت رحمه وصلها.
إذاً: المكافئ هو من يرد على الزيارة بأخرى، هذا ليس بالواصل، إنما الواصل الحقيقي الذي يزور من لم يزره، فهنا يقول الله: {يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [الليل:١٨ - ١٩]، فليس يعطي لأنهم أعطوه قبل ذلك، ولكنه يعطي ابتغاء وجه ربه سبحانه، قال: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:١٩ - ٢١].
وهذا الذي يعطي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (اليد العليا خير من اليد السفلى) فجعله الله عز وجل عالياً؛ لأنه ابتغى وجه الله الأعلى سبحانه وتعالى.
قال: {وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:٢١] أي: سوف يثيبه الله سبحانه وتعالى ويعطيه حتى يرضى.