قال تعالى:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}[المائدة:٦]، في هذه الآية ذكر الله الوضوء والغسل والبدل من الاثنين وهو التيمم، ولذلك قال النبي صلوات الله وسلامه عليه في الطهور ككل:(الطهور نصف الإيمان).
إذاً: كأن الإنسان الذي يتطهر جاء بشطر الإيمان كما سيأتي في الحديث، وذكر الله عز وجل في آخر الآية:{مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[المائدة:٦]، من نعم الله عز وجل عليكم أن وفقكم لتتطهروا وعلمكم ذلك، فالمؤمن طاهر الظاهر والباطن، فالدين أتانا بالطهارة وأمرنا بها، وقد قال الله للنبي صلى الله عليه وسلم {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}[المدثر:١ - ٧]، فأمره أن يجتنب الرجز وكل ما هو نجس خلقة أو عبادة، وقال له:(وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)، أي: اغسل ثيابك من الأقذار، وهذه طهارة ظاهرة، وطهر قلبك من أدران الشرك والكفر والإلحاد، وهذه طهارة باطنة، فالدين أمر بالطهارة الظاهرة والطهارة الباطنة.
وقال ربنا سبحانه:{وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ}[المائدة:٦]، أي: يطهر ظواهركم وبواطنكم {وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ}[المائدة:٦]، حتى يكمل عليكم النعمة العظيمة وهي نعمة الدين {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[المائدة:٦]، أي: تشكرون الله على ما هداكم وأنعم عليكم.
ولاحظ الآية التي ذكرها الله قبل هذه الآية بقوله:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}[المائدة:٣]، فذكر أنه أتم عليكم النعمة، وذكر أنه يريد بذلك أن تشكروه سبحانه وتعالى على ما أنعم به عليكم.