دعوة الناس إلى التوحيد أولاً
فعلمه صلى الله عليه وسلم كيف يدعوهم قال: (فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله)، وفي رواية: (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله).
فالدعوة تكون أولاً إلى التوحيد فهو أهم شيء قبل أن تقول لهم: صلوا، وقبل أن تقول لهم: صوموا، وقبل أن تدعوهم إلى مكارم الأخلاق، فأول شيء توحيد الله، فحق الله على العباد أن يقولوا: لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا الله، وكان من اليهود أناس يعبدون الله سبحانه ويشركون به، قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} [التوبة:٣٠].
وليس كل اليهود يقولون ذلك، وإنما بعض اليهود يقولون ذلك، ولذلك فإن اليهود يؤلبون النصارى على أن يقولوا: المسيح ابن الله، وليس كل النصارى يقولون ذلك، فمنهم من يقول: المسيح ابن الله ومنهم من يقول: المسيح هو الله، إذاً: فلابد للداعي أن يعرف ماذا يقول لأهل الكتاب، فلو قلت لهم: يا يهود أنتم تقولون: عزير ابن الله وأنتم كذابون، فيقولون لك: نحن لا نقول ذلك، وأكثر اليهود الآن لا يقولون: عزير ابن الله، بل يقولون: عزير عبد من العباد وليس ابن الله.
إذاً: قبل أن تذهب للمناظرة لابد أن تدرس الموضوع جيداً قبل أن تتكلم مع هؤلاء، واعرف بماذا سيردون عليك؛ حتى تكون محضراً نفسك، فلا تعرض نفسك للذي لا تعرفه.
انظروا إلى ذلك الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم واسمه: عدي بن حاتم وهو نصراني وعرفتم الحديث الذي صارحهم فيه بنفسه أنه نصراني ومعلق للصليب الكبير، ويكلم النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: أنا على دين النصرانية.
فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: أنا أعلم منك بدينك وبذلك هزه النبي صلى الله عليه وسلم وفضحه، فهنا وقف من هو أعلم منه ويقول له: ألست من الراكوسية؟ أي: أنت من فريق اسمه الراكوسية، هذا هو أصلك وفرعك، والنصرانية الراكوسية عندكم تحرم أن تعشر الناس وتأخذ عليهم ضرائب.
وأنت لا تأخذ العشر، بل من الممكن أن تأخذ الربع من الناس، ألست تأكل الحرام وهذا لا يحل لك في دينك، فصار عدي حنيفاً مسلماً وأسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، فالذي يكون لديه مناظرة مع إنسان ويريد أن يدعو إلى الله لابد أن ينظر إلى هذا الذي يدعوه وما حدود علمه؟ فإن كان من الذين يتكلمون كثيراً ويجادلون فلتستعد له بطريقة معينة، وإن كان هذا الإنسان خالياً لا يحمل فكرة قط فلتستعد له بطريقة أخرى، ولا تغتر بنفسك ولا بعلمك ولا بمعلوماتك، فكونك ملتزماً ليس معناه أنك تعرف كل شيء في الدين.
فلا أعرض نفسي إذا سألني أحد سؤالاً فأجيب وكأنني شيخ الإسلام، فانظروا إلى تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لـ معاذ أن يأخذ استعداده وفي حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا فيقول: (أقرؤكم أبي، وأرحم أمتي بأمتي أبو بكر الصديق، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح، وأفرضكم زيد بن ثابت).
فـ معاذ أعلمهم بالحلال والحرام فهو أولى الناس أن يذهب لمناظرة هؤلاء.