[أنواع الشهداء]
ومن الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشهيد، فيمن هو؟ الحديث الذي رواه الحاكم والبيهقي عن عمر وغيره قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: يا رسول الله! من قتل في سبيل الله فهو شهيد.
فقال: إن شهداء أمتي إذاً لقليل -يعني: أن الشهداء في الأمة قليلون إذا كان الشهيد هو شهيد المعركة فقط- قالوا: فمنهم يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد).
أي: أن القتيل الذي يقتل في سبيل الله هذا شهيد، والإنسان الذي أراد الجهاد ولكن لم يتمكن من الجهاد فمات وهو مع الجنود فلم يقتله الأعداء وإنما مات موتاً فهو شهيد.
أيضاً قال: (ومن مات في الطاعون فهو شهيد) يعني: إذا وقع وباء على بلد فمات فيها الناس بالطاعون -مثلاً: بالكوليرا- أو بغير ذلك من الأوبئة التي تأتي على الناس فيموتون فهم أيضاً شهداء.
قال: (ومن مات في البطن فهو شهيد)، فمن مات بداء البطن -أي: بداء استسقاء- كأن يمرض ويتضخم بطنه ويظل على ذلك إلى أن يموت فهو شهيد.
قال: (والغريق شهيد)، أي: أن الذي يموت في البحر غريقاً فهذا أيضاً شهيد.
وكذلك جاءت أحاديث أخرى عنه صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى، فعن عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الطاعون؟ فأخبرها صلى الله عليه وسلم: (أنه كان عذاباً يبعثه الله عز وجل على من يشاء فجعله رحمة للمؤمنين).
فكان الطاعون عذاباً على الأمم السابقة، أما على المؤمنين فجعله الله عز وجل رحمة لهم، قال: (فليس من عبد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابراً يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد).
وكل ما كان من مرض فيه وباء فكذلك، فإذا صبر الإنسان في مكانه إلى أن يقضي الله عز وجل أمره فهذا إن مات فيه فهو شهيد.
وقال صلى الله عليه وسلم -كما في الحديث الذي في مسند الإمام أحمد -: (يأتي الشهداء والمتوفون بالطاعون يوم القيامة، فيقول أصحاب الطاعون: نحن شهداء، نحن شهداء، فيقال: انظروا! فإذا كانت جراحهم كجراح الشهداء تسيل دماً وريحهم ريح المسك فهم شهداء، فيجدونهم كذلك).
فهذا الإنسان المطعون -أي: الميت بالطاعون- يأتي يوم القيامة كالشهيد ينزف دماً، اللون لون الدم والريح ريح المسك، يأتي على هذه الهيئة، فيكون مع الشهيد.
وكذلك ما رواه النسائي عن عبد الله بن يسار قال: كنت جالساً وسليمان بن صرد وخالد بن عرفطة فذكروا أن رجلا ً توفي ببطنه، -يعني: بداء الاستسقاء أو داء الكبد أو داء البطن- فإذا هما يشتهيان أن يكونا شهداء جنازته؛ لأن الإنسان الصالح الذي وفاته فيها كرامة من الله عز وجل يستحب حضور جنازته، فهؤلاء أحبوا أن يحضروا جنازة هذا.
فقال أحدهم للآخر: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يقتله بطنه فلن يعذب في قبره)؟ وهذا فيه بشارة للإنسان الذي يمرض بمرض من الأمراض الباطنة، -أي: التي تأتي له في بطنه فينتفخ بطنه ويتألم حتى يموت على ذلك، فهذا لا يعذب في قبره كما جاء في هذا الحديث.
فقال الآخر: بلى.
وفي رواية: صدقت.
فهذا من علامات حسن الخاتمة أيضاً، أي: أن الإنسان يموت بداء البطن.
أيضاً الموت بالغرق والموت بالهدم جاءت فيه أحاديث، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الشهداء خمسة: المطعون -يعني: الميت في الطاعون- والمبطون، -الميت بداء البطن- والغرق، -الميت غريقاً- وصاحب الهدم -يعني: الإنسان إذا انهدم عليه البيت فهذا أيضاً شهيد- والشهيد في سبيل الله) فهؤلاء من الشهداء.
وكذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن المرأة التي تقتل في الولادة شهيدة فقال: (والمرأة يقتلها ولدها جمعا شهيدة) أي: المرأة إذا ماتت في أثناء الولادة فهي شهيدة، وفي رواية: (يجرها ولدها بسررها -يعني: إلى الجنة) أي: أن ابنها هذا المولود يجي فيأخذها بسررها إذا مات معها إلى الجنة.
فهذه من الشهادة أيضاً.
كذلك الإنسان الذي يحرق في النار فهو ممن يأخذ أجر الشهادة عند الله.
كذلك الموت بذات الجنب، وقد ذكروا أنه مرض يكون في أضلاع الإنسان كأنه خراريج داخلية في أضلاعه، فهو كالورم يعرض في الغشاء المبطن لأضلاع صدر الإنسان فيموت بسببه.
كذلك الموت بالسل، فقد جاء في الحديث: (القتل في سبيل الله شهادة، والنفساء شهادة، والحرق شهادة، والغرق شهادة، والسل شهادة، والبطن شهادة).
كذلك الإنسان الذي يدافع عن ماله وعن عرضه فيقتل في ذلك فقد نص النبي صلى الله عليه وسلم أنه شهيد.
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا أجر الشهداء وأن يجعلنا معهم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.