يقول أبو هريرة رضي الله عنه:(ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه).
هذا من حسن خلقه عليه الصلاة والسلام، فقد كانوا فقراء وكان الطعام قليلاً، وكسرة الخبز كانت شيئاً كبيراً جداً بالنسبة لهم، وما أكل النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات طعاماً مرققاً من عيش قط صلى الله عليه وسلم، إنما كان يخبز للنبي صلى الله عليه وسلم الخبز والدقيق بنخالته، فقد كانوا يأخذنه وينفخون في الدقيق، حتى يذهب منه بعض نخالته، ويخبز بباقيها، أما أنه يعمل له منخل وينتخل فيه الدقيق مثلما يحصل الآن، فلم تكن مثل هذه الأشياء موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان عليه الصلاة والسلام يدعى إلى طعام فمع فقر الداعي يعطي للنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً بسيطاً من طعام، فمرة دعاه خياط إلى خبز وإهالة سنخة، والإهالة شيء مثل الزيت أو الدهن وكان قد تغير، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم، فأكل النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الذي دعي إليه ولم يعب الطعام.
إذاً: الطعام قد يكون خلقة طعاماً جميلاً، وقد يكون له فترة طويلة وبدأ يتغير شيئاً، فلا مانع لمن استساغ ذلك أكله، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يجد في كل حين الطعام، بل كان يبيت الليالي ذات العدد من غير طعام عليه الصلاة والسلام، وكان يضع على بطنه الحجر من شدة الجوع لكي يقيم صلبه صلى الله عليه وسلم ويستطيع المشي في الطريق، فإن وجدوا أكلوا، وإن لم يجدوا حمدوا الله سبحانه وصبروا على هذا الأمر.
فيقول أبو هريرة:(ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط، إن اشتهاه أكله)، عندما كان يوضع الضب على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يشتهيه، والضب نوع من الحيوانات الصحراوية وشكله مثل التمساح ولكنه بري، فالتمساح حيوان برمائي، وهذا يوجد في الصحاري ونحوها، وأراضي الحجاز ونجد مليئة بالضباب، وفي غيرها من المناطق الصحراوية، وهو صغير في الحجم، فكانوا يشوونه ويقدمونه لحماً يأكل، فكان العرب يشتهون ذلك، والضباب لم تكن موجودة في مكة أو المدينة، فلذلك كان يعافه، وأيضاً كان يخاف أن يكون مسخاً مسخه عز وجل من البشر على هذه الهيئة، فخشي صلى الله عليه وسلم وأخبر أن أمة من الأمم فقدت فهو يخشى أن تكون مسخت على هذه الهيئة.
وعلمنا من حديث آخر للنبي صلى الله عليه وسلم أن الممسوخ لا يعيش فوق ثلاثة أيام، فبني إسرائيل عندما مسخهم الله إلى قردة وخنازير، لم يعيشوا أكثر من ثلاثة أيام، ولا يكون للمسوخ نسل، فهو صلى الله عليه وسلم علمنا ذلك وعرف ذلك، ولكنه لم يحرمه صلى الله عليه وسلم ولكن قد يكون من الناس من مسخ على هذه الهيئة فعافه النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(إنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه) أي: أجدني لا أشتهيه، وأكل على مائدة خالد بن الوليد وقد كان جالساً فقال للنبي صلى الله عليه وسلم:(أحرام هو؟! قال: لا، ليس حراماً) فأكله خالد، وخالد رضي الله عنه كانت زوجة النبي صلى الله عليه وسلم السيدة ميمونة خالة خالد بن الوليد، فدخل عند النبي صلى الله عليه وسلم واجتره من على المائدة، وأكله خالد ولم يأكله النبي صلوات الله وسلامه عليه.