[وجوب طاعة ولاة الأمور في غير معصية]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام النووي رحمه الله: [باب وجوب طاعة ولاة الأمور في غير معصية وتحريم طاعتهم في المعصية.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:٥٩].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) متفق عليه.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا: فيما استطعتم) متفق عليه.
وعنه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) رواه مسلم.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة) رواه البخاري].
هذا باب من كتاب رياض الصالحين يذكر فيه الإمام النووي وجوب طاعة ولاة الأمور في غير معصية وتحريم طاعتهم في المعصية.
المسلم يطيع الله سبحانه تبارك وتعالى، ويطيع الرسول صلوات الله وسلامه عليه، ويطيع من ولاه الله عز وجل عليه، وهذا من حكمة شرع رب العالمين سبحانه، فيسمع ويطيع كما أمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:٥٩].
فولاة أمور المسلمين لهم السمع والطاعة ما حكموا بكتاب الله عز وجل وبسنة النبي صلى الله عليه وسلم حتى ولو وقعوا في المعاصي، فالدين ينظر إلى مصلحة جماعة، ولا ينظر إلى مصلحة الأفراد واحداً واحداً بغض النظر عن مصلحة الجميع، بل النظرة لجميع المسلمين، ولو أن المسلمين مع ولاة أمورهم كلما حدثت معصية من ولاة الأمر قاموا بالإنكار والخروج عليهم بالسيف فلن تستقر بلاد المسلمين أبداً، وستكون دائماً في حروب؛ ولذلك الصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالوا: (أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)، وفي رواية قال: (ما صلوا) أي: طالما أنهم يصلون ويقيمون الصلاة ويأمرون بها، ويؤذن للصلاة في البلاد، ولم تروا منهم كفراً بواحاً يخرجهم عن دين الله عز وجل؛ فلا تنابذوهم بالسيف، والمنابذة بالسيف فيها مصلحة، وتركها فيها مصلحة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)، وهذا إذا وجد المنكر مع آحاد الناس، أما مع ولي الأمر فالنبي صلى الله عليه وسلم يحذر أن يخرج عليهم بالسيف.
فولاة الأمور في كل زمان لهم من يتابعهم، فمعهم جيشهم، ومعهم قوتهم وسلاحهم، والذي يخرج عليهم وينابذهم بالسيف على شيء قد يكون يسيراً سوف يقتل الكثيرون من المسلمين على شيء قد يكون صغيرة وليس كبيرة.
فنظر الإسلام إلى أن مصلحة حقن الدماء أولى من أن تأمر بالمعروف فيقتتل الناس ويترتب على ذلك مفسدة عظيمة، ولذلك لما قالوا: (أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)، ولما أخبرهم عن ولاة الأمور الظلمة، وقال: (ويضربون أبشاركم، ويأخذون أموكم، قالوا: أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا).
فالنبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى مصلحة حقن دماء المسلمين، حتى ولو ظلم البعض وضرب البعض، ولكن إذا خرج الجميع عليهم فسيحدث بين المسلمين اقتتال، وسيقتل الكثيرون، وفي خلال ذلك يدخل أعداء الإسلام إلى دار الإسلام فيتحكمون فيهم، فيكون المسلمون هم الذين ضيعوا أنفسهم بذلك، وقد جاء في صفة الإنكار على ولاة الأمور أنك تنكر بالمعروف، ولا تهن سلطان الله في الأرض، كما سيأتي في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله).
إذاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع آحاد الناس يكون على ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان مع ولاة الأمور فتنصح وتسمع وتطيع إلا أن ترى كفراً بواحاً عندك فيه من الله سلطان، ففي هذه الحالة تأمر وتنهى وتغير كما أمر الله سبحانه تبارك وتعالى.