[حق الله على العباد]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد: قال النووي رحمه الله تعالى: [عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: (كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال: يا معاذ! هل تدري ما حق الله على عباده، وما حق العباد على الله؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً، قال: فقلت: يا رسول الله! أفلا أبشر الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا) متفق عليه.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فذلك قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم:٢٧]) متفق عليه.
وعن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة من الدنيا، وأما المؤمن فإن الله تعالى يدخر له حسناته في الآخرة، ويعقبه رزقا في الدنيا على طاعته)].
هذه أحاديث أخر يذكرها الإمام النووي رحمه الله في رياض الصالحين في باب الرجاء، وما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك من أحاديث منها ما قدمناه في الدرس السابق، ومنها هنا حديث لـ معاذ بن جبل وقدمنا معناه أيضاً في الحديث السابق بأنه كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم على ناقته، وهنا ذكر أنه كان رديفه على حماره.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معاذ! هل تدري ما حق الله على عباده وما حق العباد على الله؟).
ومعاذ يتأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم، فهو قد يعلم أن الله عز وجل فرض على العباد عبادات يفعلونها، ولكن لعل النبي صلى الله عليه وسلم يقصد شيئاً آخر، فلذلك كان الجواب منه للنبي صلى الله عليه وسلم: (الله ورسوله أعلم) حتى يتعلم من النبي صلوات الله وسلامه عليه.
قال: (فقال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً).
وهنا الحق واضح في كلمة قالها النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها كلمة عظيمة واسعة لابد للمؤمن أن يعرف هذا المعنى الذي تحت هذه العبادة، يعبد الله سبحانه تبارك وتعالى، ويذلل نفسه لربه سبحانه، ويطوع نفسه وقلبه وبدنه لله سبحانه تبارك وتعالى، فهو عابد لله.
وعابد: من العبادة، ويقال: هذا طريق معبد، أي: مذلل مسهل للمشي عليه، فهنا العبد يعبد ربه سبحانه، ويذلل نفسه لربه سبحانه تبارك وتعالى، ويطوع نفسه لكل ما يريده الله سبحانه، فإذا أمره استجاب، وإذا نهاه امتنع، فهو قد عرف مقامه أنه عبد، وأن الله مولاه، وربه، وخالقه، وعرف مقام ربه سبحانه تبارك وتعالى فخاف من الله فأدى ما فرض الله عز وجل عليه من حقوق، وواجبات، وامتنع عما نهاه الله عز وجل عنه من المحرمات.
فهنا حق العباد على الله أن يطيعوا الله سبحانه فيأتمروا بأمره، وينتهوا عما نهى سبحانه تبارك وتعالى.
قال: (فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً)، وهذا قيد لهذه العبادة، فكم من إنسان يعبد الله ويعبد غيره معه، فهو مشرك بالله شركاً أكبر، فيعبد إلهاً مع الله ويدعي لله الولد والصاحبة، فيعبد غير الله مع الله سبحانه تبارك وتعالى، أو يكون على شرك أصغر فإذا به ينسب ما الفضل فيه لله عز وجل إلى غير الله سبحانه تبارك وتعالى، أو أنه يكون على شرك خفي، فإذا به يعمل العمل وينتظر من الناس أن يكافئوه أو يمدحوه عليه.
فالمؤمن يعبد الله ولا يشرك به شركاً أكبر ولا أصغر ولا شركاً خفياً، فالعبادة لا بد أن يكون فيها إخلاص وتوجه لله عز وجل وحده، ولا بد أن تكون المتابعة فيها للنبي صلى الله عليه وسلم وأن يستن بسنته، ويفعل ما جاء به، ولا يخترع، ولا يشرع مع الله سبحانه تبارك وتعالى لنفسه ولا لغيره.