للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مسئولية الراعي عن رعيته]

قال: (والرجل راع في أهله) أي: أنت راع في أهل بيتك وسوف تسأل يوم القيامة عن أهل بيتك ما الذي صنعته معهم؟ هل عدلت فيهم؟ هل أعطيتهم حقوقهم؟ هل علمتهم دين رب العالمين؟ هل أمرتهم بالمعروف ونهيتهم عن المنكر؟ هل قمت فيهم بحقوق الله سبحانه وتعالى؟ هل صبرت عليهم وعلى أذاهم؟ هل وعظتهم؟ فالرجل راع في أهله أي: راع لأمر أهله كالراعي مع غنمه، كذلك هذا مع أهل بيته يراعيهم ويتألفهم وينصحهم ويخاف عليهم من النار، قال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:٦] فالله عز وجل يأمر كل إنسان مؤمن أن يراعي ذلك، وأن يقي نفسه ويقي أهله وولده ناراً وقودها الناس والحجارة.

فالإنسان في الدنيا إذا علم أن ابنه سيذهب لمكان ما ولن تحبس له حاجته وسيمر آمناً اطمأن لذلك، فإن خاف عليه أخذه في يده حتى لا يؤذى في هذا المكان، فكيف بنار جهنم؟ قال الله عز وجل: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم:٧١]، فتقي نفسك وتقي أهلك، وتقي ولدك، تقيهم نار جهنم يوم القيامة بالموعظة، وبالمراعاة لأحوالهم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته) فأنت مسئول عن أهل بيتك، ويوم القيامة سوف يسألك الله عز وجل ما الذي صنعت معهم، هل أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر؟ هل وعظتهم؟ هل علمتهم؟ هل نصحتهم بدين رب العالمين سبحانه؟ هل أخذت بأيديهم إلى الخير؟ هل أخذت على أيديهم فمنعتهم من الشر؟ ما الذي صنعته؟ فأنت مسئول يوم القيامة، والسؤال طويل بعدد سنين عمرك، بعدد أيامك، وبعدد ساعاتك وثوانيك.

يقول هنا النبي صلى الله عليه وسلم: (والمرأة راعية في بيت زوجها) فليس الرجل وحده مسئولاً، بل المرأة في بيتها راعية ومسئولة عن رعيتها، ترعى أهل بيتها وتراعي أحوالهم، ومسئولة عن نفسها، هل حفظت نفسها؟ هل حصنت نفسها؟ هل منعت نفسها عن الخلق إلا عن زوجها؟ هل قامت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ فهنا طاعة الله سبحانه وتعالى في نفسها وفي زوجها هل حافظت على مال زوجها أم أنها ضيعت مال زوجها؟ تأتي بعض الأسئلة من بعض النساء أنها تأخذ المال من وراء الزوج فهل هو حلال أو حرام؟ إذا كان الزوج ينفق بالمعروف مما أعطاه الله عز وجل فلا يحل للمرأة أن تأخذ من وراء زوجها شيئاً إلا بعلمه، فهذا لا يجوز لها طالما أن الزوج يعطيها طعامها وشرابها، وكسوتها ونفقتها هي وأهل البيت، وعلى ذلك ليس من حقها أن تأخذ، والبعض يحتج بقصة امرأة أبي سفيان عندما جاءت تسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأباح لها أن تأخذ من مال أبي سفيان، وينسون أنها قالت: (إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني وولدي ما يكفيني)، فشكت له شح أبي سفيان وقالت: (إني آخذ من ماله بغير علمه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) يعني: من طعام وشراب فقط، ليس من أجل أنها تدخر وتجمع وتنفق على الناس فليس لها ذلك.

فعلى ذلك المرأة راعية تصون مال الزوج، وتنصح الزوج بعدم الإسراف والتبذير، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بحيث إنها تحافظ على بيتها، فالله سوف يسألها عن ذلك، عن القليل الذي أخذته، وعن الكثير الذي أنفقته، عما فعلت بهذا المال وعما فعلت مع أولادها، فلعلها أمام الزوج تظهر الرحمة والحنان بالأولاد، ومن ورائه على عكس ذلك، ولعلها أمامه تظهر التقوى، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ولعلها من ورائه تعينهم على المنكر، وتتساهل في أشياء تغضب الله عز وجل بها، فالمرأة راعية في بيتها لا بد أن تتقي الله سبحانه وتعالى في نفسها وفي ولدها، وكم من امرأة تظهر التحشم أمام زوجها، فإذا خرج زوجها وقفت أمام النافذة تبدي شعرها وتبدي زينتها للأجانب، وهذا لا يحل لها، فالمرأة مسئولة يوم القيامة عما تصنع في بيت زوجها وعما تصنعه في مالها وفي نفسها، فهي مسئولة عن ذلك كله.

قال صلى الله عليه وسلم: (والخادم) أي: إنسان يأتي إليك لخدمتك، أو عبد كان عندهم في بيتهم يطعمونه ويسقونه ويملكونه، فالخادم راع في مال سيده، ومسئول عن رعيته، والخادم سواء كان أجيراً خاصاً أو أجيراً مشتركاً مسئول عن مال سيده وراع في مال سيده، ويوم القيامة يسأله الله عن ذلك، فلا بد من النصح، وكم من إنسان يعمل عند إنسان ويجده مسرفاً في أشياء، مبذراً فيها أو مضيعاً، فيقول: أنا سآخذ أجرتي ولا شأن لي، فإنه مسئول يوم القيامة عن ذلك، سيسأله الله: لماذا لم تعظ؟ لماذا لم تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ وإذا وجدت من يسرق فانهه عن المنكر الذي هو فيه، وأخبر صاحب المكان أن فلاناً يسرق، وإذا لم ينته عن هذا الشيء الذي هو فيه فأنت مسئول يوم القيامة عن المكان الذي توليته، سواء كان هذا العمل عملاً قليلاً أو كثيراً وقد بدأ عليه الصلاة والسلام من الإمام والحاكم وانتهى إلى الخادم إذا كان عبداً أو كان أجيراً، ثم عمم بعد ما نص وخصص فقال: (وكلكم راع ومسئول عن رعيته) أي: الجميع راعون؛ فهذا راع في مال فلان، وهذا راع في مال فلان، والكل مسئول يوم القيامة، فأعدوا للسؤال جواباً.