[تكثير الطعام ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم]
قال جابر: (قلت: طعيم لي، فقم أنت يا رسول الله! ورجل أو رجلان قال: كم هو؟ فذكرت له).
أي: أخبره أنه ذبح هذه العناق أو المعزة الصغيرة، فقال: (كثير طيب! قل لها: لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي)، يعني: لا تنزع البرمة أو الطعام الموجود الذي هو في نظرك إنما يكفي النبي صلى الله عليه وسلم مع رجل أو رجلين، حتى آتي فتحصل البركة، وذلك بوجود النبي صلى الله عليه وسلم.
(فقال: قوموا، فقام المهاجرون والأنصار)، كل هؤلاء سيذهبون ليأكلوا مع رسول الله.
قال: (فدخلت عليها فقلت: ويحك، جاء النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار ومن معهم؛ قالت: هل سألك؟) وهذه المرأة العاقلة رضي الله عنها؛ قالت: لماذا أنت خائف، هل الرسول قد عرف قدر الطعام الذي عندنا، قال: (قلت: نعم، فقالت: أمر النبي صلى الله عليه وسلم، هو أعلم بهذا الشيء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ادخلوا ولا تضاغطوا)، أي: أدخلوا ولا تزدحموا.
(فجعل صلى الله عليه وسلم يكسر الخبز)، وفي رواية أخرى للحديث نفسه ذكر فيها: (أن زوجته أخرجت له جراباً فيه صاع من شعير، قال: ولنا بهيمة داجن فذبحتها وطحنت من الشعير)، والصاع الشعير بقدر اثنين كيلو ونصف من الشعير، وهذا هو الذي سيكفي جيش النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الرواية الثانية فيها أنه قال (فذبحتها وطحنت الشعير)، أي: وطحنت المرأة الشعير، قال: (ففرغت إلى فراغي) أي: أنه لم يترك المرأة وحدها تقوم بالأمر كله، بل قام بذبح الشاة وجهزها، وهي جهزت العجين والخبز.
قال: (ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه)، يعني: لا تدعوه إلا وحده؛ فإنهم إذا جاء ومن معه فمن أين سيلاقون طعاماً يأكلونه؟ (قال: فجئته فساررته فقلت: يا رسول الله! ذبحنا بهيمة لنا، وطحنت صاعاً من شعير، فتعال أنت ونفر معك، فصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أهل الخندق! إن جابراً قد صنع سؤراً، فحيهلا بكم)، أي: وقد صنع لكم سؤر شراب أو شيئاً تأكلونه فحيهلا بكم.
قال: (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينتكم حتى أجيء قال: فجئت، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم يقدم الناس، حتى جئت امرأتي فقالت: بك وبك)، أي: ماذا حصل لك، هؤلاء من سيكفيهم؟ فلما سألتهم بما في الرواية الأولى: هل أنت أعلمت النبي صلى الله عليه وسلم بقدر الطعام؟ فلما قال: نعم، قالت: طالما أنك أعلمت النبي صلى الله عليه وسلم فهو أدرى بهذا الشيء.
فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، قال: (ادخلوا ولا تضاغطوا، فجعل يكسر الخبر ويجعل عليه اللحم ويخمر البرمة والتنور)، هنا نزلت بركات من الله عز وجل للنبي صلوات الله وسلامه عليه، فإذا به يخدمهم صلى الله عليه وسلم، وهو بنفسه يضع الطعام.
قوله: (ويخمر البرم والتنور إذا أخذ منه)، يخمر: أي يغطي البرمة إذا أخذ منها؛ بحيث تنزل البركة ولا أحد يرى، ولأنهم لو أبصروا سيتساءلون: هل بقي شيء؟ لذلك غطاها رسول الله حتى تنزل البركة من عند الله عز وجل.
ثم قال: (ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع، فلم يزل يكسر ويغرف حتى شبعوا وبقي منه)، أي: أنه بقي منه بعد أن أكل النبي صلى الله عليه وسلم وجيش أهل المدينة وكفاهم هذا الطعام، وهو صاع من شعير وعناق.
فقال: (كلي هذا وأهدي)، أي: كلي ما يشبعك أنت وزوجك، ثم أهدي للناس، قال: (فإن الناس أصابتهم مجاعة).
لا شك أن هذا الطعام لا يكفي هذا العدد؛ ولكن البركة من الله سبحانه وتعالى الذي أنزل من فضله ما أطعم به هذا الجيش وبقي لأهل البيت، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً بالإهداء للناس.