للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استحباب تلقين المحتضر: لا إله إلا الله]

باب آخر: يقول الإمام النووي: [باب تلقين المحتضر لا إله إلا الله].

والمحتضر: هو الذي تحضره الملائكة، أو هو الذي يحضره أجله.

المقصد منه: أنه في سكرات الموت.

عن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) حديث صحيح، رواه الإمام أبو داود والحاكم.

والحديث فيه: أن من كانت آخر كلمة قالها قبل وفاته هي قول: لا إله إلا الله، دخل الجنة.

وهذه بشارة عظيمة للإنسان المؤمن، وهي من علامات حسن الخاتمة.

وقول: لا إله إلا الله هي علامة على شهادة التوحيد كلها، فتقول عند الاحتضار: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أو تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله، وهذا كقولنا سورة الحمد، فالمقصود بها سورة الفاتحة وليست آية الحمد فقط، فكذلك قوله: (من قال: لا إله إلا الله) يعني: من قال كلمة التوحيد التي يدخل بها الإنسان الإسلام فيقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) أي: أن يقول: لا إله إلا الله، ذكرنا قبل ذلك: أن الإنسان المريض يستحب له أن يقول هذه الكلمة ويكثر منها مع كلمات غيرها حيث إن الله عز وجل يرد عليه في ذلك الذي يقول، فإنها مناجاة بين العبد وبين ربه، فإذا قال: لا إله إلا الله والله أكبر، رد عليه ربه إن هذا الذي تقوله صحيح، لا إله إلا أنا وأنا أكبر، فإن قال: لا إله إلا الله وحده، يرد عليه ربه: لا إله إلا أنا وحدي، وإن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يرد عليه ربه سبحانه: لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي، فإن قال المريض: لا إله إلا الله له الملك وله الحمد أجابه ربه بذلك، وإن قال: لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أجابه ربه بذلك.

إذاً: فيستحب للمريض في مرضه أن يكثر من ذلك، فإنه إذا قال ذلك ومات عليه كان له الجنة عند ربه.

فالمقصود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حث من يَحْضر محتضراً أن يلقنه: لا إله إلا الله، وأن يحرص على أن يكون آخر ما يقول هذه الكلمة، فإذا قال بعدها شيئاً آخر غير لا إله إلا الله يستحب أن يلقن مرة أخرى بحيث يكون آخر ما يقوله لا إله إلا الله، وذلك من غير إزعاج للمريض في هذه الحالة.

وقد جاء أناس إلى عبد الله بن المبارك رضي الله عنه وهو في مرض وفاته فقالوا له: قل لا إله إلا الله، فقال: لا إله إلا الله، وهو إمام عظيم من أئمة المسلمين، وله السبق على غيره في الحديث، والفقه والجهاد في سبيل الله سبحانه، والكرم والتقوى، والورع فرضي الله تعالى عنه.

فقالوا: قل لا إله إلا الله، ثم قالوا له ثانية: قل لا إله إلا الله، ولم يزالوا به على ذلك حتى أضجروه، فقال يعلمهم رضي الله عنه: إذا قال الإنسان لا إله إلا الله فلا تعد عليه حتى يقول غيرها.

فعلمهم وهو الفقيه رضي الله عنه وهو في حالة الاحتضار.

ومن هذا تعلم أن المحتضر إذا قال: لا إله إلا الله فلا يعاد عليه إلا إن غير وأنشأ كلاماً آخر غيرها فيستحب أن يكرر عليه ثانية إلى أن يقول هذه الكلمة.

أما أن يكرر عليه وإن لم ينشئ كلاماً آخر حتى يمل وينزعج فهذا لا ينبغي؛ إذ لعلك تقول له ذلك فيقول: شيئاً آخر، أو يسكتك مغضباً، أو يتلفظ بغيرها، فيموت على ذلك، ولذلك نقول: لا ينبغي التكرار عليه، بل يمكن أن يعرض له بذلك تعريضاً.