وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:(لقد رأيت سبعين من أهل الصفة ما منهم رجل عليه رداء إما إزار وإما كساء) أهل الصفة هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين الفقراء الذين تركوا ديارهم وأموالهم في مكة وهاجروا منها إلى المدينة بعد أن كانت أحب البلاد إليهم.
وهجرتهم تلك إلى المدينة من مكة كانت فتنة عظيمة، فهم لم يذهبوا إلى المدينة للرحلة كما نفعل الآن فنذهب إلى الحج أو العمرة، فنترك مكة ونذهب إلى المدينة للزيارة وفي كلا البلدين خير، بل كان الواحد منهم يخرج من مكة وهي البلد الذي فيها أهله وماله وأبناؤه، إلى المدينة التي كانت أرضاً وبئة -فيها وباء- وحين يصل المسلمون إليها تصيبهم الحمى فيمرض كل من يذهب إليها، حتى دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه (فرأى في منامه كأن امرأة سوداء ثائرة الشعر خرجت من المدينة وذهبت إلى مهيعة، وهي رابغ، فقص النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه القصة والرؤيا وأولها بأنه هذا الوباء، وأن الله سيزيله من المدينة ويذهب به إلى مكان آخر الذي هو مهيعة).
وقد كان الصحابة وهم في المدينة يتذكرون أيام مكة وما كانوا عليه فيها، فيتمثل أحدهم الشعر مثل بلال رضي الله عنه حيث يقول: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل وهل أردن يوماً مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل وبلال يعاني من الحمى يتساءل هل سنرجع إلى مكة مرة أخرى برغم أنها البلد الذي كان يؤذى فيها ويعذب إلا أنهم بعد أن هاجروا إلى المدينة، جعل الله عز وجل حب المدينة في قلوبهم، وعوضهم عما فقدوا من الديار والأموال خير تعويض، وما حكاه أبو هريرة هنا كان من الصور التي كانوا عليها في المدينة، حيث نقل صورة في فقرهم وفي تركهم ديارهم آتين إلى المدينة التي لم يلقوا فيها أي مكان يأوون إليه، وكان أهل الصفة أكثر من سبعين رجلاً، والصفة سقيفة مظللة كانت موجودة في آخر مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ينام تحتها هؤلاء الفقراء من المهاجرين.
أما ثيابهم التي كانوا يرتدونها في الصيف وفي الشتاء فيخبرنا عنها أبو هريرة رضي الله عنه وقد كان أحد أصحاب الصفة فيقول:(ما منهم رجل عليه رداء إما إزار وإما كساء)، إذ إنه من أجل أن يلبس أحدهم رداء لا بد أن يلبس تحته إزاراً فالرداء يقال عنه اليوم البدلة وكانت تسمى أيضاً حلة، وأبو هريرة يذكر أن أحدهم ما كان يلقى هذا الشيء، بل هو ثوب واحد يستر به نفسه من أعلى إلى أسفل يشبه ما يسمى اليوم الملاية القصيرة.
قال أبو هريرة:(قد ربطوا في أعناقهم) أي: يربطها أحدهم في رقبته كما يربط الصبي ثوبه في رقبته؛ لأنه لا يكفيه الثوب الذي عليه أن يفصله ويلبسه، وإنما طرفه في رقبته رضي الله عنه.
ثم قال أبو هريرة:(فمنها ما يبلغ نصف الساقين) أي: أن الطول لهذا الثوب من المنكب إلى نصف الساقين، فلا يصل إلى الكعبين.
ثم قال:(ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته) أي: أنه في أثناء الصلاة يلمه على نفسه حتى لا ترى عورته وهو راكع أو ساجد رضي الله تبارك وتعالى عنهم أجمعين.