[متى يجد المرء حلاوة الإيمان]
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار) متفق عليه.
وهذا فيه هذا الفضل من الله تبارك وتعالى لهؤلاء المؤمنين، الذين أرشدهم وأحبهم، فجعل في قلوبهم الإيمان، وجعل هذه صفاتهم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه)، أي: إذا وجدت هذه الصفات فقد وجدت حلاوة الإيمان، فالإيمان له حلاوة في القلب، وحلاوة في التكلم بألفاظ الإيمان، وبشرع الله تبارك وتعالى، يجدها الإنسان المؤمن الذي فيه هذه الصفات: (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)، وكل إنسان لو سئل: هل تحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ يقول: نعم.
لا يوجد أحد يقول: لا.
ولكن أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، فهنا يتفاوت الناس في ذلك، ويظهر هذا حين يخير الإنسان بين الطاعة والمعصية، فإنسان تدفعه شهوته لاختيار المعصية، فإذا به قد فضلها على حبه لله، ولرسوله صلوات الله وسلامه عليه.
و (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)، ولكن الإنسان المؤمن إذا عرضت له معصية فإنه يفكر أن هذه المعصية تبعده عن الله عز وجل، وبسبب أن حب الله في قلبه أقوى يقول: لا أريد أن أقع في هذه المعصية.
فهذا الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.
وقد يجد شيئاً من الأشياء يميل قلبه إليه، كأن يكون أخ من إخوانه يظن أنه مستحق لشيء، فيريد أن يكذب من أجله مثلاً، فيتذكر قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء:١٣٥]، فيتذكر أنه سيشهد مع هذا الإنسان وهو لم ير شيئا؛ لأنه يصعب عليه تركه، ولكن الله عز وجل أرحم به مني، وهو الذي أمرني أني أعدل في شهادتي، وكونه أمرني أن أشهد بالحق فيلزمني ذلك، ولو على نفسي، ولو على الوالدين والأقربين، إن يكن فقيراً أو غنياً فالله أولى به.
قال: (وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله): وقد يحب الإنسان إنساناً للدنيا، أو يحبه لعقله أو لنفعه وجاهه، ولكن الحب الذي يريده الله عز وجل منا هو: الحب في الله تبارك وتعالى، بأن تحب المرء لا تحبه إلا في الله، فإذا أقبل عليك فلا تفرح، وإذا أعرض عنك فلا تحزن، فلا فرق بين الحالتين؛ لأنك تحبه في الله عز وجل.
أما أن تحب فلاناً ثم تقول: إنه لا يعطيني ولا يزورني فلن أحبه، فهذا لا يصح لأنك أصبحت كأنك لا تحبه إلا من أجل أن يقبل عليك، ويجلس معك، ويكون معك.
والمطلوب أن تحب الإنسان المؤمن لطاعته، فإذا وجدت عالماً قد لا تنتفع أنت بعلمه ولكن غيرك ينتفع بعلمه فأحبه، لكونه يبذل علمه للخلق، وتحب من حفظ القرآن، لكونه يحفظ كتاب الله عز وجل، وتحب من يعمل بالطاعة لكونه يعمل بالطاعة، وسواء نفعك أنت أو لم ينفعك، وسواء زارك أو لم يزرك، فأحبه لله عز وجل، فلعل الله أن يجمعك معه يوم القيامة.
أما أن تحب إنساناً من أجل أنه يجلس معك، ويأتيك ويزورك؛ فإذا لم يفعل فلا تحبه، فراجع هذه المحبة؛ لأن المحبة في الله هي التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس من ورائها أي هدف آخر من الأهداف.
(وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه)، فتحب الإنسان لله عز وجل، وتحب الإيمان وأهل الإيمان، وتبغض الكفر والمعاصي، وتكره أن تعود إلى الكفر بعد إذ أنقذك الله منه، كما تكره أن تقذف في النار.
فهذه هي علامات الإيمان التي تظهر في قلب الإنسان المؤمن، فيجد حلاوته في قلبه.
نسأل الله عز وجل أن يذيقنا حلاوة الإيمان، وأن يجعلنا إخوة فيه متحابين، وأن يجمعنا في مستقر رحمته.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.