[حسن خلقه صلى الله عليه وسلم مع خادمه]
ومن الأحاديث الواردة في حسن الخلق: حديث أنس رضي الله عنه، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً) وحق له صلوات الله وسلامه عليه، فهو رسول الله الذي رباه ربه تبارك وتعالى، فلا أبوه حي يربيه، ولا أمه تربيه، إنما الذي رباه هو ربه سبحانه وتعالى، ووهبه الخلق الحسن، فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤] فقد كان أحسن الناس خلقاً صلوات الله وسلامه عليه.
وقد كان أهل الجاهلية بعد الإسلام وقبل الإسلام يلقبونه بالصادق الأمين، الذي لا يخون، ولا يغدر، بل يفي بالعهود والمواثيق، فإذا اختلفوا حكموه بينهم وهو شاب صغير عليه الصلاة والسلام.
فلما نزل عليه الوحي زاده من فضل الله سبحانه وتعالى أخلاقاً عظيمة، علمه ربه، ورباه، وأدبه سبحانه وتعالى، فمن عليه بذلك، وعرفنا أن الفضل بيد الله يعطيه من يشاء، فكان أحسن الناس خلقا.
فهذا أنس الذي خدم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صبي له عشر سنوات، حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم، وعمره عشرون سنة، قال: (ما مسست ديباجاً ولا حريرا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم) يذكر أنه يمس يده صلى الله عليه وسلم عندما يسلم وليست يده قاسية ولا غليظة، فليس هو الشديد الذي يقسو ويجمد على من يسلم عليه، ولكن يده كريمة عليه الصلاة والسلام وناعمة، وإن كان هو أقوى الناس عليه الصلاة والسلام.
يقول الصحابة: كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنا نتحدث أنه أعطي قوة أربعين رجلاً عليه الصلاة والسلام، هذا أمية بن خلف أقسم أن يقتل النبي صلى الله عليه وسلم، فجهَّز فرسه، وجهز رمحه، وركب الفرس وانطلق، فقام الصحابة يريدون أن يدافعوا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (دعوه، فأنا قاتله إن شاء الله).
والنبي صلى الله عليه وسلم ليس راكباً وليس لديه سلاح، فأخذ رمحاً عليه الصلاة والسلام لا نصل له، وهذا الرجل قد تجهز على فرسه، وجاء برمحه، يريد قتل النبي صلى الله عليه وسلم، فما أن جاء الرجل وهو يعدو على فرسه، حتى استقبله النبي صلى الله عليه وسلم برمح لا نصل فيه، فوجأه في عنقه، فأسقطه عن دابته، فرجع إلى قومه وهو يصرخ، فقالوا له: لا بأس عليك، إذا ضربك برمح ليس فيه نصل، لن يحصل لك شيء، فقال: إنه أخبر أنه قاتلي، وهو لا يكذب! فقتل الرجل بذلك.
هذا النبي الصادق الأمين عندما يسلم على أصحابه، يربت على صدورهم، ويسلم عليهم بيد ليِّنة، يقول أنس وكان صغيراً رضي الله تعالى عنه: (ما مسست ديباجاً ولا حريراً) والديباج من الحرير، أي: حريراً غليظاً ولا حريراً ناعماً ليناً (ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت رائحة قط أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم) فرائحته صلى الله عليه وسلم أطيب من الطيب، وكانوا إذا أرادوا تطييب طيبهم ينتظرون نوم النبي صلى الله عليه وسلم فيعرق، وكانوا قد فرشوا له جلداً عليه الصلاة والسلام، وكان غزير العرق عليه الصلاة والسلام، فيأخذون من عرقه يطيبون به طيبهم صلوات الله وسلامه عليه.
قال: (ولقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي قط: أف) عشر سنوات وهو يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو صبي صغير لابد أن يخطئ، ولابد أن يفعل أشياء تضايق النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان أحياناً يرسله ليأتيه بشيء، فيذهب ويلعب وينسى الشيء الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم، ويأتي إليه النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: يا غلام! فيستحيي أنس من النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب لما أمرتك، ولا يقول له أكثر من ذلك صلوات الله وسلامه عليه.
يقول أنس رضي الله عنه: (ولقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي قط: أف، ولا قال لشيء فعلته لمَ فعلته) أي: لم يقل له: ما الذي جعلك تفعل كذا، (ولا لشيء لم أفعله) أي: تلكأ فيه، ولم يفعله، (ألا فعلت كذا!) فكان صلى الله عليه وسلم لا يزجره وإن أخطأ رضي الله تعالى عنه، هذا فعله مع خادم عنده صلى الله عليه وسلم، فكيف بفعله مع باقي الناس!