وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلث الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله، جاءت الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه).
فالحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم إذا ذهب ثلث الليل ويقول:(يا أيها الناس اذكروا الله جاءت: الراجفة) يعني: كأنها جاءت، فالله عز وجل حين يقول:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ}[النحل:١]، معناه: أنه سيأتي يقيناً، ولذلك عبر عنه بالماضي فقال:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ}[النحل:١]، ولا أحد يقدر على دفع أمر الله سبحانه، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم:(جاءت الراجفة تتبعها الرادفة)، يعني: ستقوم وكأن ذلك قد حدث.
والراجفة: النفخة الأولى التي ترجف بالخلق وتميتهم.
(تتبعها الرادفة) أي: النفخة الأخرى ترجف بهم فيبعثون من قبورهم لحسابهم.
قال:(جاء الموت بما فيه)، يعني: بما فيه من سؤال ومن حساب.
قال أبي بن كعب:(قلت يا رسول الله! إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟).
يعني: كم أجعل لك من دعائي، وليس معناه: أنني سأصلي ركعتين وأجعلها للنبي صلى الله عليه وسلم، بل المعنى: أنا أكثر من الدعاء فكم مرة أقول: اللهم صل على محمد عليه الصلاة والسلام؟ قال:(فقال صلى الله عليه وسلم: ما شئت.
قلت: الربع؟)، يعني: ربع دعائي أجعله صلاة عليك؟ قال:(قال عليه الصلاة والسلام: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: فالنصف) أي: أجعل نصف دعائي لك والنصف الآخر دعاء لنفسي؟ قال:(قال صلى الله عليه وسلم: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قالت: فالثلثين؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟) يعني: أجعل دعائي كله صلاة عليك؟ قال:(إذاً تكفى همك ويغفر لك ذنبك).
يعني: لو كان دعاؤك كله صلاة على النبي فإنك في ذكر لله سبحانه بأن تطلب من الله عز وجل الثناء والصلاة عليه، فإذا كان الأمر كذلك قال صلى الله عليه وسلم:(إذاً: تكفى همك)، فأفضل من دعائك لنفسك أن تكثر من الصلاة عليه صلوات الله وسلامه عليه قال:(ويغفر لك ذنبك).