وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها:(أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟)، هذه امرأة مخزومية من بني مخزوم، وبنو مخزوم قبيلة عظيمة كبيرة من أهل الشرف من العرب من قريش، وكان العرب فيهم أهل شرف وفيهم أهل ضعة، فمثلاً: قبيلة طيء كانت مشهورة باللصوص، لكن قبيلة بني مخزوم كانوا من أعالي الناس، فهذه المرأة التي سرقت هي من بني مخزوم، فلما سرقت عرفوا أن الحد سيقام عليها وتقطع يدها وهي من هذه القبيلة الشريفة، فقالوا: نوسط أحداً يقوم بالشفاعة عند النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قالوا:(من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وكان زيد بن حارثة والد أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي ربى الاثنين، فـ زيد كان عبداً وأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وأعتقه وتبناه، فكان ينسب إليه ويقال: زيد بن محمد حتى نهى الله عز وجل عن ذلك فرجع اسمه زيد بن حارثة رضي الله تبارك وتعالى عنه، وزوج النبي صلى الله عليه وسلم زيداً بـ أم أيمن وأنجبت له أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهم.
فلما سرقت المخزومية رأوا أن أسامة له مع النبي صلى الله عليه وسلم علاقة قوية، والنبي صلى الله عليه وسلم يحبه، فإذا جاءه وشفع فإنه سيقبل منه الشفاعة، فذهبوا إلى أسامة، وفعلاً ذهب أسامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وشفع للمرأة، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال:(أتشفع في حد من حدود الله تعالى؟! ثم قام فاختطب صلوات الله وسلامه عليه، ثم قال: إنما أهلك من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد).
أي: إنما أهلك الله السابقين بظلمهم، والظلم ظلمات في الدنيا وفي الآخرة، فيستحق الإنسان العقوبة على ظلمه، وهؤلاء ظلموا وغيروا وبدلوا شرع الله سبحانه، فمن كان فيهم شريفاً وسرق تركوه، ومن كان فيهم ضعيفاً وسرق أقاموا عليه حد الله عز وجل، فأهلكهم الله سبحانه بذلك.
ثم قال صلى الله عليه وسلم:(وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).
فيقسم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(وايم الله)، وأصلها: وايمن الله، ايمن جمع يمين وهي أيمان الله، يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقسم ورخم فقال: (وايم الله)، بحذف النون في نهايتها فتبقى الميم وهي مضمومة فتظل على ذلك؛ لأن الألف تتبعها والهمزة منقولة.
قوله:(لو أن فاطمة بنت محمد سرقت)، وحاشاها رضي الله عنها.
والمخزومية التي سرقت كان اسمها فاطمة، وهذه فاطمة بنت النبي صلوات الله وسلامه عليه ورضي الله عنها، فيقول: لو أن فاطمة ابنتي أنا -وحاشاها- فعلت ذلك لقطعت يدها، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يجامل ولا يحابي أحداً، وإنما الشرع يقام على الجميع على الشريف وعلى الضعيف، على الإنسان الكبير في قومه، وعلى الحقير في قومه، فهنا غضب رسول الله لما شفع أسامة في حد من حدود الله سبحانه تبارك وتعالى.