للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان شدة ما لاقى الصحابة من الجوع والعري في سبيل نصرة هذا الدين]

من الأحاديث: حديث خالد بن عمر العدوي (قال: خطبنا عتبة بن غزوان) وكان أميراً على البصرة- وعتبة بن غزوان هذا صحابي فاضل من أكابر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان سابع سبعة في الإسلام، فإسلامه كان قديماً رضي الله عنه، وقد هاجر الهجرتين: هاجر إلى الحبشة، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة.

قال: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (أما بعد: فإن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء) -يعني: أن الدنيا أعلمت بقطيعة وفناء، وولت سريعة.

قال: (ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها)، أي: أن ما بقي من أعمارنا في هذه الدنيا شيء يسير، ثم يأتي الحساب بعد ذلك، وقوله: (يتصابها صاحبها)، أي يجمعها.

قال: (وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها- فإما الجنة وإما النار- فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم)، يعني: استفيدوا من الدنيا وأنتم حاضرون فيها.

قال: (فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاماً لا يدرك لها قعراً، والله لتملأن، أفعجبتم؟! يعني: أنها ستمتلىء يوماً ما بالكفرة وعصاة الموحدين، قال: ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاماً، قال: وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام، ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا، فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك فاتزرت بنصفها، واتزر سعد بنصفها، فما أصبح اليوم منا أحد إلا أصبح أميراً على مصر من الأمصار).

وهذا من تواضعه رحمه الله، فهو يذكر الدنيا ويذكر حاله مع النبي صلى الله عليه وسلم، فهو يقول: إن حالنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من حالنا الآن، على الأقل كان بيننا من يستغفر لنا، ويدعو لنا، ويرحمنا، فوجودنا معه مع قلة الطعام أحب إلينا من الدنيا بأسرها.

ثم قال: (وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيماً وعند الله صغيراً).

بل هو عظيم عند الله سبحانه وتعالى.

جمع سيدنا عمر رضي الله عنه الناس ذات مرة فقام يخطبهم فقال لهم: لقد كنت أرعى الغنم لآل الخطاب على قراريط بمكة.

ثم نزل رضي الله عنه.

فقيل له: ما زدت على أن حقرت نفسك، فقال: وهذا الذي أريد.

وكأن نفسه أعجبت بمكانها فأحب أن يذلها أمام الناس؛ لأنه يعرف نفسه حق المعرفة، فقد خلقه الله عز وجل من نطفة، خلقه من تراب أصله من الأرض، فلماذا يستكبر على الخلق؟ فيجب على الإنسان أن يذكر نفسه دائماً بأصلها إذا رأى منها العجب أو الفخر، كما ذكر عمر ذلك رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

للحديث بقية إن شاء الله، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.