[التعلم من أهل الخير ولو كانوا مفضولين]
قال الله عز وجل: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} [الكهف:٦٠].
ذكرنا في تفسير سورة الكهف هذه القصة، وفيها أن موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام قام خطيباً في بني إسرائيل فخطبهم ووعظهم موعظة عظيمة جليلة، فإذا بهم يبكون من هذه الموعظة، فسأله أحدهم، قال: أي الناس أعلم؟ فقال موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام: أنا أعلم، فأجابه عن العلم بالشريعة، وهو كذلك.
ولكن عتب الله عز وجل عليه، أنه قال: أنا أعلم، ولم يرد العلم إلى الله سبحانه تبارك وتعالى، فقال: بلى، عبدنا خضر هو أعلم منك.
يعني في أشياء أخر أنت لا تعرفها.
فموسى قال: كيف السبيل إلى لقياه؟ فإنه حين علم أن هناك من هو أعلم منه أراد أن يكون تلميذاً وتابعاً لهذا المعلم الذي هو أعلم منه، فدله الله عز وجل في القصة التي في سورة الكهف.
والغرض أن الإنسان يتعرف على من هم أفضل منه وأعلم، وقد صنع ذلك موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، ولا شك أن موسى أفضل من الخضر على نبينا وعليهما الصلاة والسلام، فإن موسى رسول، والخضر غاية ما قيل فيه إنه نبي.
وموسى على علم من الشريعة اعترف الخضر أنه لا يعرفها، وموسى أحد أولي العزم من الرسل، والخضر ليس من هؤلاء على نبينا وعليهم الصلاة والسلام، ولكن مع ذلك ذهب الأفضل وهو موسى إلى المفضول وهو الخضر ليتعلم منه.
فلما أتاه، وهنا ظهر من المعلم أدب التعليم، قال: {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف:٦٧] وإذا بموسى يظهر ذل المتعلم، ويقول: {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} [الكهف:٦٩] أي: سأتبعك وأسمع كلامك ولن أعصي لك أمراً.
الأفضل هو موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، لكن طالما أن الله قال له: هذا أعلم منك، إذاً: أتعلم منه ما هو أعلم به مني.
وجاءت القصة على النحو الذي ذكره الله عز وجل، وفي النهاية لم يصبر موسى على متابعة الخضر، وكان في أول مرة قد نسي فقال: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} [الكهف:٧١]، وفي المرة الثانية تعمد وقال: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} [الكهف:٧٤] وفي المرة الثالثة مل؛ لأنه لم يفهم ما الذي يفعله الخضر وهو يتابعه؛ لأن الله عز وجل أخبر بذلك، وفي النهاية تعمد أن يفارقه قال: {لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف:٧٧]، {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف:٧٨]، وأخبر الله عز وجل بذلك.
قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف:٢٨]، هؤلاء الذين يطلبون الله سبحانه وتعالى، أولى أن تلازمهم وأن تصبر معهم لأنهم لم يطلبوا دنيا، ولم يطلبوا جاهاً، وإنما طلبوا وجه الله عز وجل، فاستحقوا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم مرافقاً لهم في هذه الدنيا، وأن يلازمهم، وهم الذين يدعون ويوحدون الله، ويطلبون من الله سبحانه وتعالى.