[تقلل النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا]
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذكر ما أصاب الناس من الدنيا يعني: من الغنى الذي صاروا فيه فقال: (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يتلوى ما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه).
يتذكر عمر رضي الله عنه بعد أن فتح الله عز وجل على الناس من المغانم وصاروا يأكلون ما يشتهون ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول لكل مسلم: لا تفرح بهذا الذي أعطاك الله، فإنه لو كان مما يفرح به لأعطاه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، ولكني رأيته يتلوى صلى الله عليه وسلم من شدة الجوع.
قوله: (لا يجد من الدقل)، الدقل: رديء التمر، أي: لا يجد من رديء التمر ما يملأ به بطنه صلوات الله وسلامه عليه، والحديث رواه مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي فأكلت منه حتى طال علي فكلته ففني).
فأم المؤمنين عائشة التي هي أحب نساء النبي صلى الله عليه وسلم إليه تخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي في بيتها وما في بيتها شيء يأكله ذو كبد وقولها: (ذو كبد) تريد أي حيوان والإنسان من ضمن الحيوان.
وقولها: (إلا شطر شعير)، أي: كيلة أو شيء من الشعير وقد أصبح الشعير اليوم طعام البهائم، وقد كان يأكله أصحاب النبي صلوات الله وسلامه عليه ويأكله النبي صلى الله عليه وسلم.
قولها: (فأكلت منه حتى طال علي)، أي: أنها كانت تطحن الشعير، ثم تصنع منه خبزاً تأكله رضي الله عنها فأكلت منه زمناً.
قالت: (حتى طال علي فكلته ففني).
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يكون عند الإنسان الطعام فيظل يكيله في كل وقت ليعرف كم بقي منه، ولذا ينبغي أن يترك ببركته ويؤخذ منه لعل الله عز وجل يبارك فيه، كما حدث مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقد كان عندها شيء من شعير وضعته داخل الجراب وكانت تأخذ وتأكل إلى أن بقي معها فترة طويلة، ثم كالته ففني.
وهذا من فضل الله عز وجل على عباده، حيث يرزقهم ويبارك لهم في رزقهم ولو كان قليلاً، فشطر الشعير شيء يسير، إلا أن السيدة عائشة رضي الله عنها ظلت تأكل منه زمناً حتى تعجبت، فكان من بركة الله عز وجل على آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أن جعل لهم البركة في طعامهم وإن كان شيئاً قليلاً، لكن لما كالته فني.