[الترديد مع المؤذن والدعاء بعده وفضلهما]
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة).
وهنا يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم ويرشدنا إلى أن نقول كما يقول المؤذن: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول)، وقد كان الصحابة يتمنون الأذان حتى قال قائلهم: تركتنا نتشاح في الأذان، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم ألا يتعاركوا على الأذان، ودلهم إلى شيء آخر يصلون به إلى ما يصل إليه المؤذن، وذلك بأن يقولوا مثلما يقول، إذ ليس من الممكن أن كل الناس يؤذنون، ولكن البعض يؤذن والباقون يرددون فيؤجرون كما يؤجر هذا المؤذن.
قال عليه الصلاة والسلام: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول)، ففي كل ألفاظ الأذان تقول كما يقول إلا في الحيعلتين، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (وإذا قال: حي على الصلاة فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا قال: حي على الفلاح فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله)، أما باقي الألفاظ فيقول كما يقول المؤذن.
قال: (ثم صلوا علي)، فنصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان، فليس المؤذن هو الذي يصلي عليه فقط، بل الجميع يفعلون هذا، ولا معنى أن يمسك المؤذن الميكرفون ثم يقول: اللهم صل على محمد! بل قل هذا في سرك؛ لأن الناس كلهم مشغولون بأن يقولوا هذا الذكر الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً)، فالمؤذن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وكذا المستمعون، واعلم أنك إذا صليت صلاة واحدة فالله يصلي عليك عشراً، ومعنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أن تسأل الله عز وجل أن يثني عليه صلوات الله وسلامه عليه، وعندما تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم يثني عليك ربك ويرحمك، فتستحق من الله عز وجل بكل صلاة تصليها على النبي صلى الله عليه وسلم عشر صلوات.
قال صلى الله عليه وسلم: (ثم سلوا الله لي الوسيلة)، الوسيلة: هي منزلة في الجنة أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تنبغي أن تكون إلا لعبد واحد، قال: (وأرجو أن أكون أنا هو)، والنبي صلى الله عليه وسلم هنا يقولها تواضعاً، وإلا فقد أخبره ربه سبحانه تبارك وتعالى بذلك في قوله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:٧٩]، فسأل ربه المقام المحمود، وأخبر بأنه أهله صلوات الله وسلامه عليه، لكن النبي صلى الله عليه وسلم يتواضع ويقول: (أرجو أن أكون أنا هو).
قال: (فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة) وفي رواية: (حلت عليه)، أي: صارت حلالاً له، فكأنها محظورة إلا بذلك، فإذا صليت على النبي صلى الله عليه وسلم وسألت الله له الوسيلة عليه الصلاة والسلام استحققت ما كان محظوراً قبل ذلك.
ومن الأحاديث حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم النداء فقولوا كما يقول المؤذن)، قوله: (فقولوا) فيه استحباب أن تقول وتردد مع المؤذن ما يقوله.
وحديث آخر رواه البخاري عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته؛ حلت له شفاعتي يوم القيامة)، ومعلوم أن خير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وخير الذكر ما لفظ به النبي صلى الله عليه وسلم، فليس من الممكن أن يأتي إنسان بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم أو بنحو ما قاله؛ فقد أوتي جوامع الكلم، ولذلك إذا أردنا أن نصلي عليه فأفضل صلاة نصليها عليه هي ما علمنا إياها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تجد بعض الصوفية يرددون أوراداً في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حتى يقول قائلهم: سيدي فلان قال: الصلاة الفلانية، وقد يؤلف صفحة كاملة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والثاني يصنع كذا، ولذا نقول: خير صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي ما قالها هو وما علمها أصحابه صلوات الله وسلامه عليه، ولكن قد يجهل الكثيرون المعاني التي في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فيظنون أنهم يأتون بأفضل مما قال صلوات الله وسلامه عليه، فقد نرى بعض الناس يقول: يا رب لك ألف حمد، ويظن أنه أتى بعدد كبير جداً! وهو عدد كبير فعلاً، ولكن الإنسان المؤمن يقول: الحمد لله، وهو يفهم أن اللام لام الجنس، والمعنى: كل الحمد الذي أعرفه والذي لا أعرفه هو لك.
فالحمد لله جنس لا يوجد لها تثنية ولا جمع ككلمة الإنس، فهي كلمة مفردة فيها لام الجنس، وقد أعطت العدد كله، فانظر إلى هذا الذي يقول: لك ألف حمد، والآخر الذي يقول: الحمد لله، فالأخير يفهم المعنى فأتى بخير مما أتى به الأول الذي قال: لك ألف حمد، فجمعها على عدد قليل.
كذلك الذي يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم صل على محمد ألف مرة اللهم صل عليه مليون مرة، وقد أجاب النبي صلى الله عليه وسلم حين سألوه: (قد علمتنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد)، هذا ما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولو وجدت صيغة أخرى أحسن من تلك لعلمهم إياها صلى الله عليه وسلم.
فأنت تطلب من الله عز وجل أن يصلي على محمد كما صلى على إبراهيم، وقد علمت مقام إبراهيم، فهو الذي أحبه الله واختاره لأن يكون خليلاً له، وأعلى درجة عنده عز وجل هي الخلة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني أبرأ إلى الله أن أتخذ منكم خليلاً؛ فإن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً)، أما ما يقوله البعض: أن إبراهيم كان خليلاً، ومحمد كان حبيباً، فهذا يقلل من شأن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الخليل أعظم من الحبيب، فالخليل في الناس الذي أحبه صاحبه حتى تخلل هذا الحب شغاف قلبه، هذا في الناس، أما الله عز وجل فلا نقول مثل ذلك، وإنما نقول: هذه أعظم درجة عند الله عز وجل في المحبة أن يكون خليلاً.
فإذا كان إبراهيم خليل الله ومدحه الله في كتابه فقال عنه: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود:٧٥]، {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:١٢٠]، وقال: {وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النساء:١٢٥]، فكم سيصلي الله عز وجل على إبراهيم إذا كان حبيب رب العالمين وخليل رب العالمين؟ لا شك أنها صلوات عظيمة كثيرة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بإبراهيم وأمر أن يعلم الناس أن يقولوا ذلك: يا رب صل على محمد كما صليت على إبراهيم، وليس إبراهيم فحسب، بل إبراهيم وآل إبراهيم، أي: الأنبياء كلهم من بعد إبراهيم من ذريته عليه الصلاة والسلام.
فإذا كانت الصلاة على إبراهيم وعلى كل الأنبياء من ذرية إبراهيم عليه الصلاة والسلام فكم سيكون عددها؟ لا شك أن هذا عدد كثير جداً لا نستطيع أن نعرف له نهاية، فلذلك نقول: يا رب! صلِ على محمد كما صليت على إبراهيم، وليس هذا فقط، بل وآل إبراهيم، وآل إبراهيم فيهم الأنبياء، وفيهم محمد صلى الله عليه وسلم، فالصلاة على إبراهيم والأنبياء بما فيهم محمد لها جمع، والصلاة على محمد لها جمع آخر، فصلِ على هذا وحده كما تصلي على الجميع بما فيهم محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا عدد لا يتخيل أصلاً، ولذلك علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقول ذلك، بل إني إذا قلت: ألف مرة كأنني هضمت حقه صلى الله عليه وسلم، وكذا إذا قلت: مليون مرة كأني هضمت حقه صلى الله عليه وسلم، ولذلك قل: كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، عندها تأتي بالعدد العظيم.
ومرة أخرى نعلم أن ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم هو أجمل وأعظم مما يؤلفه الناس في ذلك من أذكار، ولذا لا بد من أن نتمسك بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، ونصلي عليه كما أمرنا أن نصلي عليه في صلاتنا وفي غير صلاتنا بالصيغة نفسها.
يقول صلى الله عليه وسلم: (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة)، فهذا النداء دعوة تامة (والصلاة القائمة)، أي: التي ستقام (آتِ محمداً الوسيلة والفضيلة)، آت هذه الدرجة التي جعلتها لعبد من عبادك لمحمد صلوات الله وسلامه عليه، واجعل له الفضيلة على خلقك أجمعين، (وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته)، ولم يأت في الحديث: (والدرجة الرفيعة) والأصل أن نتوقف على ما قاله صلى الله عليه وسلم، كما لم يأت فيها زيادة: (إنك لا تخلف الميعاد)، فنتوقف على ما قاله النبي صلوات الله وسلامه عليه.
فالذي يقول ذلك: (حلت له شفاعتي يوم القيامة)، ومعنى حلت أي: صارت الشفاعة حلالاً له وحلالاً عليه أن أشفع له يوم القيامة.
ومن الأحاديث ما رواه مسلم عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً؛ غفر له ذنبه)، فإذا رددت الأذان إلى أن انتهى المؤذن مما قال فعليك تقول هذا الذكر: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً)، فإذا قلت ذلك غفر لك ما تقد