للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جواز الكذب لدفع الشر]

ومن الأحاديث التي جاءت حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً).

هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم حديث عظيم، يعلمنا أنك قد تسمع كلمة شر من إنسان في إنسان آخر فيأتي من ينقل إليه ذلك فإذا به يأتي ويسألك، فهنا يمكنك أن تجيبه بالتعريض في الكلام، فإن استطعت ذلك كان خيراً، وإن لم تستطع أن تعرض فقل: لم أسمعه أو لم أكن موجوداً، فعندها لا يكون هذا كذباً؛ لأنك إنما تصلح بين الناس، ولأنك تخبئ الشر وتظهر الخير، فتقول: هذا إنسان فيه خير، هذا فلان يحبك يا أخي، هذا يتكلم عنك كلاماً طيباً.

فعلمك النبي صلى الله عليه وسلم أن تقول الخير، وتنمي الخير، إذا سمعت كلمة فيها خير تبلغها، أو سمعت كلمة فيها شر تسترها، وبينك وبين الإنسان مُرْ بالمعروف وانه عن المنكر بقدر استطاعتك.

وذكر لنا ثلاث أحوال يجوز فيها للإنسان أن يعرض في الكلام، فإذا ضاق بك الأمر، أو أردت أن تصلح بين الناس، فلك في هذه الحالة أن تعرض في الكلام.

سأل مسيلمة رجلاً: تؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.

قال: تشهد أني رسول الله؟ قال: لا.

فقتله.

وجاء بالثاني ثم قال له: تشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم.

قال: تشهد أني رسول الله؟ قال: لا أسمع.

فهو حاول أنه يعرض قدر المستطاع وقال هذه الكلمة: لا أسمع، وكأنه يقصد: لا أسمع مثل هذا الكلام، يعني: لا يدخل عقلي مثل هذا الكلام، ولا يدخل قلبي مثل هذا الكلام، ولكن قال هذه الكلمة.

وروي عن سويد بن حنظلة قال: (خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر، فأخذه عدو له، فتحرج قوم أن يحلفوا، وحلفت أنه أخي، فخلي عنه).

فهو صحابي أقسم بالله أنه أخوه، ولم يكن أخاه من النسب، ولكن هذا عدو أخذه فأراد قتله، فلذلك قال هذا الصحابي: هو أخي، وأقسم بالله على ذلك.

فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم أخبره وقال: إني حلفت بالله إنه أخي، فطمأنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (أنت أبرهم وأصدقهم؛ المسلم أخو المسلم) أي: إنما المؤمنون إخوة، ففعلاً هو أخوك، وأنت حلفت على صدق، وليس على كذب ولا غيره، أنت صادق في كلامك، والمؤمنون إخوة.

فالصحابي هذا يا ترى وهو يحلف كان يريد التعريض أم لا؟ لو كان يريد أن يعرض لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ولا تحرج أصلاً، ولكن كان قد حضر في هذا الشيء فأقسم بالله إنه أخوه؛ من أجل أن ينجيه من العدو الذي سيقتله، فالنبي صلى الله عليه وسلم اعتبره أبرهم.