للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث حفظ أبي بكر لسر النبي بشأن رغبته في الزواج من حفصة]

من الأحاديث في هذا المعنى حديث ابن عمر أن حفصة رضي الله عنها تأيمت، فالسيدة حفصة أم المؤمنين كانت تحت رجل ثم مات هذا الرجل عنها فتأيمت، والمرأة الأيم هي التي صارت بلا زوج، فـ عمر بن الخطاب محافظة على ابنته أراد أن ينتقي لها أفضل الأزواج، فأتى عثمان وأخبره أن حفصة تأيمت وقال له: إن شئت أنكحتك حفصة.

فهو لم يقل له: تعال تزوج حفصة، ولكن قال: إن شئت، يعني: يخيره، وكأنه يقول: الأمر إليك أنت، وابنتي موجودة ولن أجد أفضل منك، فقال له: سأنظر في أمري، فكأنه أراد أن يستشير ثم يرد عليه.

قال عمر: فلبثت ليالي ثم لقيني فقال: قد بدا لي ألا أتزوج يومي هذا، فـ عثمان لم يكن راغباً في الزواج ذلك الوقت، فلم يجد عمر في نفسه شيء على عثمان لهذا الأمر.

قال: فلقيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال: فصمت أبو بكر رضي الله عنه فلم يرجع إلي شيئاً.

فالأول عثمان رضي الله عنه لما عرض عليه هذا الشيء أخبره أنه سيرد عليه ورد عليه بعد ذلك بأنه غير راغب في الزواج، لكن أبا بكر رضي الله عنه لم يرد عليه لا الآن ولا بعد ذلك.

قال عمر: فكنت عليه أوجد مني على عثمان، يعني: إن كنت وجدت في نفسي شيئاً على عثمان فما وجدته على أبي بكر الصديق رضي الله عنه أكثر منه.

قال: فلبثت ليالي ثم خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، وعمر لم يعرضها على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يكن يطمع أن تتزوج ابنته من النبي صلى الله عليه وسلم، فعرضها على عثمان، ثم عرضها على أبي بكر، فلما خطبها النبي صلى الله عليه وسلم خطبها من عمر، تكلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال لـ عمر رضي الله عنهما: لعلك وجدت علي - يعني: لعلك حزنت وغضبت مني - حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئاً؟ قال: فقلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني كنت علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها النبي صلى الله عليه وسلم لقبلتها.

فهذا سر من النبي صلى الله عليه وسلم حيث تكلم أنه يريد أن يتزوج حفصة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان متزوجاً بـ عائشة بنت أبي بكر الصديق، ولم يغضب أبو بكر الصديق لذلك، ولكنه سكت؛ لأنه لا يستطيع أن يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم يريدها؛ لأنه يمكن أن يرجع في كلامه ولا يتزوجها.

وهذا فيه تأديب للمسلمين وتوجيه ليتخلقوا بهذا الخلق الفاضل، فإذا سمعت إنساناً يتكلم عن فلانة وأنه يريد أن يخطبها، فلا تذهب لصاحب الشأن وتقول: أنا سمعت فلاناً يتكلم أنه يريد أن يخطب من عندك فجئت أبشرك؛ لأنه يمكن أن يرجع في كلامه فتكون كاذباً أمام هؤلاء الناس، ويمكن أن ذاك الرجل غير جاد في كلامه وبسبب كلامك يضطر ويذهب ليخطبها.

فعلى ذلك إذا سمعت سراً من إنسان فلا تفش هذا السر.

وقول أبي بكر الصديق لـ عمر رضي الله عنه: لعلك وجدت علي، يدل على أنه أحس أن عمر من حقه أن يجد في نفسه من هذا الشيء، وأبو بكر يعلم أن هذا أهون من أن يفشي سر النبي صلى الله عليه وسلم، بخلاف حال بعض الناس الذي يتساهل في أن يفشي سراً من الأسرار حتى لا يغضب فلاناً من الناس! إن السر أمانة والله عز وجل سيحاسبك على هذه الأمانة ويسألك: لم فرطت فيها؟ ثم إن أبا بكر قال لـ عمر: ولو تركها لتزوجتها، يعني: لو أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك ابنتك ولم يتزوجها لكنت أنا تزوجتها؛ لأن ابنتك ليست المرأة التي يفرط في مثلها.