[تنافس الفقراء والأغنياء]
في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى، والنعيم المقيم).
انظروا هنا كيف كان الصحابة يتنافسون في أفعال الخير، وعندما يرى غيره يفعل خيراً أكثر منه وهو لا يستطيع أن يدركه يحزن لأنه سيسبقه إلى الجنة {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:٢٦].
فذهب فقراء المهاجرين للنبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: ذهب أهل الدثور، وهي: الأموال الكثيرة، والدثور جمع دثر، والدثار الثياب الخارجية، والشعار الثياب التي تلي البدن، والثياب الخارجية دائماً نظيفة وغالية وشكلها فخم، فكأن هؤلاء أصحاب الدثور الذين لهم أموال كثيرة يظهرون بها ويظهر غناهم بهذه الأموال.
(فذهب أهل الدثور بالدرجات العلى)، كأن النظرة إلى أن الدرجات وزعت عليهم وضاعت منا.
(فذهبوا للنبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم والمقيم، قال: وما ذاك؟ فقالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق)، لأنهم أصحاب أموال.
فلما قالوا ذلك، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم)، يعني: أعلمكم شيئاً ينفعكم، وهو بالمؤمنين رءوف رحيم، فعلمهم شيئاً يسبقون به من لا يفعل مثله، (ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: تسبحون، وتحمدون، وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة، فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم).
المرة الأولى جاءوا يشتكون فأعطاهم الشيء الذي ينفع، ثم رجعوا إليه بشكوى جديدة، فقالوا: (سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله).
هم كانوا يطمعون فيما عند الله، لكن لا تمنع رحمة الله على غيرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)، هم سمعوا وعملوا مثل ذلك {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [المائدة:٥٤]، وأنت لكي تبلغ درجة هذا الإنسان تحب هذا الإنسان، وإذا أحببته فقد ورد: (المتحابون على منابر من نور).
إذاً: أي إنسان فقير، أو غير قادر أن يعمل كعمل هؤلاء يحب هؤلاء، فيحشر معهم يوم القيامة، ولذلك كانت التجارة العظيمة هي الحب في الله، أن تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحب المهاجرين والأنصار والسابقين فتحشر معهم يوم القيامة، أما أن تريد من النبي صلى الله عليه وسلم أن يخصك بشي فهذا ليس بيده صلى الله عليه وسلم، ولم يؤمر أن يبلغ البعض دون البعض فتسبح أنت دون غيرك فلا، ولكن علم الجميع صلوات الله وسلامه عليه، فمن فعل ذلك كان له الأجر العظيم.
إذاً: لا تهمل وتضيع هذا الأمر العظيم عقب كل الصلاة، فتقرأ آية الكرسي، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت).
وإن ذكر لنا في الحديث أن هذه الخصال العظيمة قليل من يعمل بها، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم: كيف تكون هذه الخصال خصالاً عظيمة؟ وكيف يكون فيها الأجر العظيم وقليل من يعمل بها؟ فقال: (يأتي الشيطان أحدكم فيلهيه عن ذلك فلا يقول بهذا الذكر).
فالشيطان يلهي الإنسان ويشغله بسؤال أو بكلمة حتى ينسيك الأذكار، ويضيع عليك هذا الأجر العظيم عليك بالذكر عقب الصلاة، وتقرأ آية الكرسي، وتقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١]، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:١]، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:١]، وتسبح الله عز وجل ثلاثاً وثلاثين، وتحمده ثلاثاً وثلاثين، وتكبره ثلاثاً وثلاثين، وتختم بـ: لا إله إلا الله، فيكون لك أجر عظيم عند الله عز وجل، لا تدع الحديث الذي فيه لهو يشغلك عن ذلك فيضيع عليك هذا الأجر العظيم.
فأهل الدثور لما تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عملوا به، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه فضل الله يؤتيه من يشاء، ويوفق له من يشاء).
نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.