[شرح حديث:(كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها)]
من الأبواب التي ذكرها النووي: باب استحباب زيارة القبور للرجال وما يقوله الزائر.
تشرع زيارة القبور للرجال، وكان جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن زيارة القبور فترة وكأنه لسد ذريعة الشرك بالله سبحانه، حيث كان الناس قريبي عهد بعبادة الأوثان، فكان قد منعهم صلى الله عليه وسلم من زيارة القبور ثم قال:(كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكر الآخرة).
فهو أولاً نهاهم، ولكن عندما استقر التوحيد في قلوبهم أمرهم أن يزوروا القبور؛ لأنها تذكر الآخرة، وأهل الجاهلية كانوا يفتخرون بكل شيء فكانوا يفتخرون بقبورهم، لذلك كان من الحكمة في أول الإسلام أن نهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين عن زيارة القبور، والله عز وجل ذكر الكفار فقال:{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}[التكاثر:١ - ٢].
ومن المعاني لهذه الآيات: أن هؤلاء ألهاهم تفاخرهم عن عبادة الله سبحانه حتى ماتوا، أو حتى ذهبوا ليفتخروا بعدد أمواتهم والذي يدل على أن القبيلة الفلانية أعظم من القبيلة الأخرى.
ولما جاء الإسلام نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فلما استقر في قلوبهم الطاعة والخشوع لرب العالمين سبحانه والبعد عن هذا الفخر والعجب والخيلاء رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمرهم بزيارة القبور ليتعظوا فقال هنا في حديث بريدة:(كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)، فأمر بزيارة القبور بعد ذلك صلى الله عليه وسلم.
وفي الباب يقول الإمام النووي: استحباب زيارة القبور للرجال: فهذا الاستحباب للرجال وليس للنساء، بل جاء الوعيد في حق زوارات القبور من النساء، أي: المكثرات من زيارة القبور، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد)، لعن الله الزورات للقبور من النساء، ولن تكون زوارة إلا بأن تزور مرات ومرات، وكلما مات شخص ذهبت المرأة إلى القبر، فإذا ذهبت إلى المقابر فإنها ترجع بلعنة الله سبحانه وتعالى عليها، فلا ينبغي للنساء أن يذهبن إلى المقابر، ويمكن أن تقول بعض النساء: سأذهب للعبرة والذكرى.
فنقول: حتى وإن حصل هذا في الأول إلا أنه بعد ذلك سيرافقه النياحة والندب ورفع الأصوات بالبكاء وغير ذلك، وهذا لا يجوز، فسداً للذريعة منعت المرأة من زيارة المقابر لا للاتعاظ ولا لغيره، ولكن إذا أرادت أن تتعظ فتبقى في بيتها وتدعو للميت، ولا فرق بين دعائك للميت وأنت في بيتك ودعائك وأنت في المقابر.
مع ما في الدعاء عند المقبرة من الخصوصية حيث تنظر إلى المقابر وكيف أن أصحابها كانوا في الدنيا يوماً من الأيام، وكل إنسان منهم له بيته، والآن صار في قبر مع سائر الأموات ولا يتميز عنهم بشيء، فنفس الإنسان عندما تحدثه أنه أعلى من غيره وأفضل من غيره، فيتطاول بذلك على الغير فعليه أن يتذكر هذا اليوم حين يكون بداخل القبر محتاجاً إلى الغير، أن يدعو له، وأن يسأل الله عز وجل له الرحمة.