للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشهادة في سبيل الله عز وجل]

أيضاً من علامات حسن الخاتمة: أن يموت الإنسان شهيداً في سبيل الله عز وجل؛ فإن من علامات حسن خاتمة الإنسان أن يتوفاه الله عز وجل شهيداً على أي صورة من صور الشهادة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث، وأعظم الشهادة: الشهادة في ساحة القتال، فإذا قاتل الإنسان في سبيل الله مقبلاً غير مدبر، يكر ولا يفر، محتسباً يطلب الأجر من الله لا يبتغي بذلك المنظر عند الناس أو الثناء منهم ثم قتل فإن هذا من علامات حسن الخاتمة.

قال الله عز وجل: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٦٩ - ١٧١].

وجاء في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه) أي: مجرد ما يُصاب في مقتل تخرج أول دفعه من الدم فيرى أن ربه سبحانه قد غفر له.

قال: (ويرى مقعده من الجنة) أي: يريه الله سبحانه منزله في الجنة.

قال: (ويجار من عذاب القبر، ويأمن الفزع الأكبر) أي: يجيره الله عز وجل من عذاب القبر، ويأمن الفزع الأكبر يوم القيامة، فيفزع الخلق والشهيد لا يفزع.

قال: (ويحلى حلية الإيمان) أي: يحليه الله عز وجل بحلية الإيمان.

قال: (ويزوج من الحور العين، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه) فهذا هو فضل الشهيد عند الله سبحانه وتعالى، نسأل الله عز وجل أن يبلغنا منزلته.

أيضاً مما جاء في فضل الشهادة في سبيل الله ما رواه النسائي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يا رسول الله! ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة) أي: تكفيه الفتن التي كان فيها وهو في القتال، فإن الشيطان كان يحدثه: أن الأعداء سيقتلونك، أو سيضيع مالك، ولن ترجع إلى أهلك، أو سيحصل لك كذا.

وهو مع ذلك يقاوم هذا كله، ويقبل غير مدبر، وغير راجع عن أمر الله تبارك وتعالى، هذا فيما لو قتل في المعركة، أما لو أن إنساناً قاتل في سبيل الله ولم يصبه ذلك ورجع فمات على فراشه فقد جاء في ذلك حديث جميل عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في صحيح مسلم عن سهل بن حنيف قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سأل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه).

أي: أن الإنسان الذي يسأل الله عز وجل الشهادة وهو صادق فيها، وليس مجرد مظهر أمام الناس، ويسأل الله دائماً بأن يجعله شهيداً وأن يرزقه إياها، ويصدق ذلك في قلبه، ويرجو هذه المنزلة العظيمة، فهذا يبلغه الله عز وجل منازل الشهداء حتى ولو مات على فراشه.

فإن فضل الله عز وجل عظيم، فالإنسان الذي يتمنى الشهادة ويحاول أن يصل إليها ولا يصلها فإن الله بفضله يوصله وإذا أراد الإنسان أن يتصدق بصدقة ثم وجد أنه محتاج لهذا المال فإنه يؤجر عليها صدقة كاملة، فإذا أمضاها ودفعها فإنها تضاعف له إلى عشر حسنات، وإلى ما يشاء الله من فضله.

ولو حدث نفسه بمعصية ثم استغفر الله منها، فإنه تكتب له حسنة إذا امتنع عنها من خوف الله تبارك وتعالى.

فهذا هو فضل الله يوصل الإنسان بنيته وبخوفه منه إلى مرتبة عظيمة، وإلى أجر كريم منه سبحانه.

ولذلك من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه.