عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم).
هؤلاء هم قبيلة أبي موسى الأشعري رضي الله تبارك وتعالى عنه، مدحهم النبي صلى الله عليه وسلم بل إنه جعلهم منه صلى الله عليه وسلم.
فما هي هذه الخصلة الجميلة التي جعلتهم ينسبون للنبي صلى الله عليه وسلم؟ هذه الصفة العظيمة الجميلة أنهم كانوا إذا أرملوا أي: احتاجوا وقل طعامهم أو كاد ينفد زادهم، يجمعون طعام الجميع في إناء واحد، ثم يقسمونه بين الجميع بالسوية، ولعل بعضهم عنده الكثير، وبعضهم عنده اليسير، فيقولون: كلنا محتاجون، ولا أحد أولى من الآخر بالمال! فالنبي صلى الله عليه وسلم يمدحهم على صفتهم هذه، فقال:(هم مني وأنا منهم).
يعني: هم من أهل الإيثار ومن أهل الكرم، وقد جبل على ذلك صلوات الله وسلامه عليه، فهم من النبي صلى الله عليه وسلم وهو منهم، وهذا الشيء يسميه الفقهاء شركة التناهد، وهو من شركات الطعام، وهو اجتماع المجموعة على الطعام، أنا آتي بطعام وأنت تأتي بطعام، ثم نقسمه بيننا ونأكل كلنا منه، ولا أحد أولى بالطعام من الآخر.
وإذا صفت النفوس فهذا طعام فيه بركة، لكن إذا لم تصف النفوس فلا داعي أن تأكل من هذا الطعام، وبعضهم نفسه لا ترضى أن تأكل من طعامه، فكل من طعامك أنت، ولكن هؤلاء ما كان في نفوسهم هذا الشيء أبداً، بل نفوسهم فيها الإيثار، وليس فيها الشح، فيجمعون طعام الجميع ويقسمونه فيما بينهم، سواء كانوا في المدينة أو كانوا مسافرين.
ففي الحضر يمكن للإنسان أن يفعل ذلك، لكنه صعب في السفر، فالأخلاق الحسنة تظهر في سفر الإنسان، ويظهر هل هو إنسان شحيح فيظهر منه الوجه القبيح أم هو إنسان منفق فيظهر منه الوجه الحسن، فالسفر يظهر ويكشف أخلاق الناس.