قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات:١٣] قوله: (يا أيها الناس) أي: أن الخلق جميعهم يناديهم ربهم سبحانه، (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) أي: أصل خلقة الإنسان من آدم وحواء، ثم بعد ذلك يتناسل الناس من ذكر وأنثى، فلا أحد أفضل من أحد، هذا ابن أبوين وذاك ابن أبوين، هذا من ذكر وأنثى وذاك من ذكر وأنثى، كلما ارتفعوا نظروا في النهاية فوجدوا أن أباهم آدم وآدم من تراب، فعلام يفتخر بعضهم على بعض؟ فالإنسان المؤمن يعرف أصل خلقته فيتواضع؛ لأنه يريد أن يتقرب إلى الله، فلا يتعزز على الخلق.
قوله:{وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}[الحجرات:١٣] أي: ليتعارف بعضكم مع بعض، ويحب بعضكم بعضاً، ويهدي بعضكم بعضاً، ويدعو بعضكم بعضاً إلى الخير، قال:((لِتَعَارَفُوا)) لم يقل لتتنافروا، والتعارف يجلب المحبة بين الخلق.
قال سبحانه:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
الأكرم عند الله سبحانه ليس هو الأغنى، ولا صاحب المنصب، وإنما الأتقى، كلما ازداد الإنسان تقوى ازداد قرباً من الله سبحانه، وإكراماً من الله له.
وقال تعالى:{فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}[النجم:٣٢] أي: لا تظل تقول: أنا أنا، فتزكي نفسك وتمدح نفسك، الله أعلم من هو من أهل التقوى، فلا تصف نفسك بصفات الكمال، فإن صفات الكمال والجمال المطلق لا تكون إلا لله عز وجل.
قال تعالى:((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)) [الحجرات:١٣] وقال تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}[النجم:٣٢]، فكيف نجمع بينهما وبين قوله سبحانه:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}[الشمس:٩]؟
الجواب
الإنسان مطلوب منه أن يزكي نفسه بالفعل، ومنهي أن يزكي نفسه بالقول وبالمدح.
تزكي نفسك وتطهر نفسك وقلبك بالأفعال التي ترضي بها ربك، فهذه التزكية هي التي أمرك الله عز وجل بها، أما التزكية التي نهاك عنها بقوله:((فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ)) فالمعنى: لا تزك نفسك ولا تتعال على غيرك، ولا تنظر لنفسك أنك أفضل من غيرك.