[شرح حديث: (زودك الله بالتقوى)]
روى الإمام الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني أريد سفراً فزودني) أي: أعطني زاداً في هذا السفر، والله يقول: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:١٩٧]، يعني: أعطني ما أستعين به في هذا السفر من نصيحة، فقال صلى الله عليه وسلم: (زودك الله بالتقوى)، زودك يعني: أسأل الله عز وجل أن يعطيك التقوى ويجعل التقوى زادك، ففرح بذلك وقال: زدني أيضاً، قال صلى الله عليه وسلم: (وغفر ذنبك).
قال الرجل: زدني قال: (ويسر لك الخير حيثما كنت)، وهذا دعاء جامع لخير الدين والدنيا والآخرة، ماذا تريد بعد التقوى؟ وإذا كان زادك التقوى فاعمل أي عمل لله عز وجل، فإن الله يتقبله منك؛ لأن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:٢٧].
وإذا كنت قد زودك الله التقوى فكل الأعمال الصالحة لن يدخلها رياء، فكلها ستكون لله وكلها يقبلها الله عز وجل، وإذا زودك الله التقوى سييسر لك الخير في كل مكان؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:٢ - ٣].
والتقوى رأس مال المؤمن، وهي عظيمة جداً وهي تفتح لك أبواب السعادة في الدنيا وفي الآخرة، وإذا زودك الله التقوى تقبل منك عملك ورزقك من حيث لا تحتسب وجعل لك مخرجاً، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:٢ - ٣]، وقال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق:٤]، وقال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق:٥]، وتقوى الله جمعت كل خير في الدنيا وفي الآخرة.
قال: (وغفر ذنبك)، فدعا له بالمغفرة، فإذا غفر الله عز وجل له انتظر الجنة من رب العالمين.
قال: (ويسر لك الخير حيثما كنت) يعني: في أي مكان تكون أسأل الله أن ييسر لك الخير.
وهنا ما قال له: الله يعطيك الذي تتمناه مع أن الإنسان يتمنى لنفسه خيراً كثيراً لكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه، وقد يتمنى الشيء ويأتي بغير حينه، فلا يكون له عند الإنسان منزلة، والإنسان قد يتمنى المال فحين يأتيه المال يفرح به، وقد يأتيه المال فتكون تعاسته هي أن يأتي له المال! والإنسان الذي كان مسافراً في الصحراء ثم ضلت ناقته فظل في الصحراء تائهاً لا يعرف أين يذهب وعطش عطشاً شديداً وأخذ يبحث عن ماء وحفر بئراً وحصل على كنز في الداخل فهل ينفعه هذا الكنز الآن؟ لا ينفعه بشيء، فهل هذا الكنز خير في مكان لا ينتفع به؟! يقول هذا الإنسان: أريد من زمني ماءً فيمنحني مالاً فما ذلك التنغيص يا زمن أينفع المال والإنسان في غصص تأتي عليه فلا قبر ولا كفن لا ينفع المال عند الموت صاحبه تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فجاءت له الريح بالذي لا يشتهيها ربان السفينة.
فهذا الإنسان في مكان لعله في غيره قد يطلب المال ويكون خيراً عظيماً له، فكان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يسر لك الخير حيثما كنت، أي: الخير الذي يناسبك في هذا المكان ييسره الله عز وجل لك، ولذلك ينبغي على المسلم أن يسأل الله عز وجل الخير في سفره، وأن يدعو للمسافر: (زودك الله التقوى، وغفر ذنبك، ويسر لك الخير حيثما كنت).
نسأل الله عز وجل أن يزودنا التقوى في سفرنا للآخرة، وأن ييسر لنا الخير حيثما كنا، وأن يغفر لنا ذنوبنا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.