[دعاء مأثور في الصلاة على الميت]
فأما الأدعية المأثورة بعد التكبيرة الثالثة فمنها: ما جاء عن أبي عبد الرحمن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار).
هذا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وهو كلمات يسيرة يعتبرها النووي رحمه الله تعالى طويلة، يقول: يدعو بمثل ما دعا النبي صلى الله عليه وسلم ويطيل في الدعاء.
يعني: بمثل هذا الذي جاء في هذا الحديث، وأجمل ما يكون وأوعى ما تقوله وأجمعه هو ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو أرحم الخلق بأمته عليه الصلاة والسلام، وقد أمرنا بالإخلاص في الدعاء وأن ندعو للمتوفى، وهو كان يدعو بذلك، فلنحفظ أحاديثه صلى الله عليه وسلم في الدعاء للميت، ولندع للميت بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم ودعا به.
ففي هذا الحديث قوله: (اللهم اغفر له وارحمه)، فجمع له بين المغفرة والرحمة، فقوله: (اغفر له) أي: امح عنه الخطايا، أو استر الخطايا؛ لأن الغفر هو الستر، ومعنى التكفير المحو، فهنا كأننا نقول: اغفر لهذا المتوفى واستر خطاياه، وإذا سترت خطاياه فارحمه.
وقوله: (وعافه واعف عنه)، الدعاء بالعافية في الآخرة بمعنى رحمة الله سبحانه وتعالى، أي: أن ينقذك من عذاب النار.
فالمعافاة هنا من العقوبة في القبر ومن العذاب في النار.
وقوله: (واعف عنه) يعني: فلينله عفوك يا رب العالمين، وتجاوز عن هذا الإنسان وسامحه.
وقوله: (وأكرم نزله)، النزل هو الضيافة، أي: يا رب! قد نزل هذا ضيفاً عندك، فأكرم نزله وأنت أكرم الأكرمين، أكرم هذا الإنسان الذي نزل ضيفاً ضعيفاً عندك يا رب العالمين.
قوله: (ووسع مدخله)، القبر إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار، والقبر يوسع على صاحبه أو يضيق عليه، فتدعو للمتوفى بأن يوسع الله عز وجل له في قبره.
قوله: (واغسله بالماء والثلج والبرد)، هذا من التوكيد، فإذا غسل الإنسان بالثلج وغسل بالماء وغسل بكل شيء طاهر ينزل من السماء فإنه ينقى، والمعنى: نقه من الذنوب ليلقاك ولا شيء عليه.
وتكون التنقية في الدنيا من الذنوب بالابتلاءات.
وأما القبر فليس فيه إلا العذاب أو الرحمة، فكأنه يقول: يا رب! ارحمه واغسله بفضلك وبرحمتك، وطهره من هذه الذنوب؛ ليلقاك يوم القيامة ولا شيء عليه.
قوله: (ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس)، أي: اجعله كالثوب الأبيض الذي لا دنس فيه ولا نجاسة عليه، والله على كل شيء قدير سبحانه وتعالى، فكما أن هذا الثوب يصير أبيض بفضل الله سبحانه تبارك وتعالى، كذلك نقول: اجعل هذا الميت في بياض هذا الثوب، وأنت الذي تفعل به ذلك يا رب العالمين.
قوله: (وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه)، أي: ندعوا بأن يبدله الله عز وجل داراً خيراً من داره، فهذه الدار الدنيا التي لا قيمة لها ضيقة على أصحابها، منغصة على أهلها، لكن الدار الآخرة هي رياض الجنة، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهلها.
قوله: (وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه)، هذا توكيد، فندعو للميت بأن يبدله الله تعالى زوجاً خيراً من زوجه، وهذا إذا كان رجلاً، أما إذا كان الميت امرأة فلا يستحب ذلك، فالرجل يتزوج بالحور العين، وتكون زوجته معه في الجنة أيضاً، وهي من أجمل نساء أهل الجنة.
لكن المرأة تكون لآخر أزواجها، فلا ينبغي أن يدعى بمثل ذلك للمرأة فيقال: أبدلها زوجاً خيراً من زوجها، لا يقال ذلك، ولكن يقال هذا للرجل فقط، وإن كان بعض أهل العلم حمله على معنى له وجه، وهو أن قوله: (أبدلها زوجاً خيراً من زوجها)، المراد به نفس الزوج، وحين يكون من أهل الجنة يكون خيراً لها مما كان لها في هذه الدنيا، فإذا قال الإنسان ذلك فلينو هذا المعنى، وإلا فلا يقله.
قوله: (وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر)، هذا دعاء له بكل الخير من تكفير للخطايا ومن غفران للسيئات، ومن نيل للرحمات، وأن ينقيه الله سبحانه وتعالى، وأن يغسله من ذنوبه، وأن يدخله الجنة، وأن يجيره من عذاب القبر، ومن عذاب النار.
ومن جمال هذا الدعاء الجامع الشامل أن الصحابي راوي الحديث -وهو عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه- يقول: حتى تمنيت أن أكون أنا هذا الميت.
أي: كان يتمنى أنه ذلك الميت الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء الجميل كله.
وهناك أدعية أخرى نرجئها للحديث القادم إن شاء الله، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.