[شرح حديث: (ما نقصت صدقة من مال)]
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل).
فهذا وعد من الله سبحانه على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، أن المال ينمو بالإنفاق، مع أن الأصل أنه ينقص بالإنفاق، فإن الله عز وجل لا يخلف الميعاد أبدا، وإنما العيب منك فقط، فالإنفاق من المال بالزكاة وغيره يزيد المال وينميه.
بل ذكر في حديث آخر أنه قال: (ثلاث أحلف عليهن) وذكر منها أنه لا ينقص المال من النفقة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا) فالجزاء من جنس عمل الإنسان، فمن عفا وكان عزيزاً، فالله عز وجل زاده عزاً بهذا الشيء، وقد يعفو الإنسان في أمر ما، فينظر إليه الناس أنه وضع نفسه، لكن الله عز وجل يزيده عزاً بهذا الأمر.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل) التواضع يكون لله سبحانه لا للناس، فلا يظهر لهم أنه مستكين ومتواضع، وأنه فيه محبة للمسلمين، وأنه يذل نفسه من أجلهم، لكي يقال عنه إنه متواضع، فلا يكون التواضع إلا في ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى، فمن فعل ذلك رفعه الله.
والنبي صلى الله عليه وسلم علمنا أن نكون من المتواضعين، والتواضع يكون في عدة أمور منها: التواضع في السلام.
والتواضع في المناقشة.
والتواضع في الأخذ والعطاء.
والتواضع في العفو عن الناس.
والتواضع في النظر إلى النفس وإلى الغير.
والإنسان يكون متواضعاً إذا تكلم مع الغير، فإذا كان من حقه أن يتكلم فإن من حق المستمع إليه أن يستمع لكلامه، وينظر إلى رأي نفسه ورأي غيره، فإن رأيه يحتمل أن يكون صواباً ويحتمل أن يكون خطأً، وإذا كان اجتهاداً، فإن كان راجعاً إلى نصوص الكتاب والسنة فلا وجه لأن يقال ذلك، لكن إذا كان في ظن من الظنون، فإن عليه أن يتواضع مع غيره، والله عز وجل يقول: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى:٣٨] أي: بين المؤمنين، والتشاور لن يكون بين مجموعة متنافرين، ولن يكون بين أشخاص وكل منهم معتز برأيه، ومعتد به، إنما تكون الشورى بين أناس وكل شخص منهم يريد أن يسمع إلى رأي الثاني ويضيفه إلى رأيه، فيزداد تنقيحاً لرأيه.
فالإنسان الذي يتواضع وينظر إلى نفسه أنها مخطئة، وأنه من أصحاب المعاصي، يقوم يعذره في نفسه فيقول: أنا أيضاً أقع في المعاصي، لعل الله يتوب عليه ويصبح أحسن مني، فيذهب إليه لينصحه بمحبة، يحبه أنه مسلم، يكره منه هذه المعصية، يرجو من نصحه أنه يراجع نفسه، ويبتعد عن هذه المعصية، لكن لو نظر للإنسان على أنه عاص، وأنه يذهب إلى النار، وقال: فلان هذا هالك، فلان هذا كذا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال هلك الناس فهو أهلكهم) المعنى: أن أهلكه غروره، مغرور، فالذي يرى أن الناس كلهم سيدخلون النار وهو فقط الذي سيدخل الجنة، إذاًَ هذا أهلكهم؛ لأنه إنسان مغرور! اعمل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنكم تلجون النار وأنا آخذ بحجزكم) أي: أنا أمسككم من أجل ألا تدخلوا النار، إذاً كن كالنبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في الخوف على أخيك المسلم أن يقع في النار، لا تغتر وتظن في نفسك أنك أهل للصواب، وأنك أهل للجنة، وغيرك أهل للعذاب.
الإنسان يتواضع لله سبحانه فيجد نفسه من أقل الناس، ومن أضعف الناس، وينظر إلى رأيه على أنه يحتمل الخطأ ويحتمل الصواب، ينظر إلى غيره على أنه لعل هذا الإنسان الضعيف يوفقه ربنا بدعوة هذا الإنسان لي، فلا تستقل أحداً من الناس.