[بكاء عبد الرحمن بن عوف عند تذكره لمن مضى من الصحابة]
وفي صحيح البخاري عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أتي بطعام وكان صائماً فقال: قتل مصعب بن عمير رضي الله عنه وهو خير مني.
وانظروا إلى اعتبار الصحابة رضوان الله عليهم، فهم يتذكرون الدار الآخرة، فقد كان عبد الرحمن بن عوف صائماً ويريد أن يفطر حين جاء وقت الإفطار، فأتوا له بالطعام من أجل أن يفطر فتذكر الفقراء، فقد كان من أغنياء الصحابة، وكانت له أموال كثيرة جداً، وكان يريد أن يسابق الفقراء إلى الجنة فكان يتصدق بها والله يعطيه أضعافها.
فهنا لما جيء بالطعام وكان صائماً تذكر يوم أحد، وقد كان في سنة ثلاث من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم في شوال، وفي يوم أحد قتل مصعب بن عمير رضي الله عنه، وقد كان صاحب لواء النبي صلوات الله وسلامه عليه، وأول من بارز في هذه الغزوة، وقد قتل كبيراً من كبراء المشركين رضي الله عنه، وقتل بعد ذلك رضي الله عنه وقطعت يداه، ومعلوم ما حدث به رضي الله تبارك وتعالى عنه.
قال:(قتل مصعب بن عمير رضي الله عنه وهو خير مني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة، إن غطي بها رأسه بدت رجلاه، وإن غطي بها رجلاه بدا رأسه).
هذا هو مصعب بن عمير، وقد كان من المترفين في مكة، وكان شاباً مترفاً غنياً تهتم به أمه فتنفق عليه وتعطيه مالاً كثيراً، وبعد ذلك أسلم مصعب رضي الله عنه وأتى إلى المدينة يبشر الناس ويدعوهم، فما ترك من بيت إلا ودخل فيه الإسلام بفضل الله سبحانه ثم بدعوة مصعب رضي الله تبارك وتعالى عنه، وهذا قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذا الرجل العظيم الفاضل يقتل في هذا اليوم ولا يجدون له كفناً إلا بردة، فإذا غطي بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غطي بها رجلاه بدا رأسه، فـ عبد الرحمن بن عوف يتذكر ذلك ويعتبر.
قال: ثم أعطينا من الدنيا ما أعطينا حتى خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام رضي الله عنه.
نسأل الله عز وجل أن يدخلنا مع هؤلاء الأفاضل في رحمته.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.