من الأحاديث التي ذكرها الإمام النووي رحمه الله حديث أبي هريرة - وهو متفق عليه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل)، وكون الوضوء يذكر في القرآن وفي أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا يدل على فضله وأهميته والترغيب فيه، كما أنه يحث المؤمن أن يكون على وضوء ما استطاع.
قوله:(إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين)، الغرة: هي البياض الذي يكون في جبهة الفرس، والتحجيل: هو بياض في قوائم الفرس.
فلو أن عندك خيلاً كثيرة وفيها هذا الحصان هل يمكن أن تخطئ فيه مع فرس آخر يكون أشهب أو أحمر أو أبيض؟ لا يمكن.
فالنبي صلوات الله وسلامه عليه لما سألوه:(كيف تعرف أمتك يوم القيامة)، أي: من بين الأمم الكثيرة، فقال:(إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين)، أي: تظهر آثار الوضوء يوم القيامة على الجباه وعلى الأيدي والأرجل، فأنت حين تتوضأ تغسل وجهك فيأتي فيه نور، وتغسل يديك إلى مرفقيك فيأتي فيهما نور، وتغسل الرجلين فيأتي فيهما نور، وتمسح برأسك فيأتي فيه نور يوم القيامة، فهذا الإنسان حتى لو دخل النار - والعياذ بالله - بسبب معصية، وكان مواظباً على الصلاة في الدنيا، تأكل منه النار كل شيء إلا آثار الوضوء، نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
وفي آخر الحديث يقول أبو هريرة رضي الله عنه:(فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل)، فكأنه يدعو الناس إلى ذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدير الماء على مرفقيه صلوات الله وسلامه عليه، وكان أبو هريرة أحياناً يبالغ فيرفع الماء أكثر من ذلك، ولم يأت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما فهمه من هذا الحديث.
وحديث آخر يقول فيه أبو هريرة رضي الله عنه:(سمعت خليلي) والخليل: أرفع من الحبيب، والخلة: هي أرفع درجات المحبة، يقول: سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: (تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء)، إذاً: يحلى المؤمن يوم القيامة بأعظم ما يكون من الحلي، فالمرأة في الدنيا تضع الحلي من الذهب في يديها حتى تنور من كثرة الذهب الذي عليها، لكن النور الحقيقي يوم القيامة حين تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء، فإذا كنت تتوضأ وتتقن الوضوء كان لك من آثار الوضوء نور وحلية يوم القيامة.