[ما جاء في زيارة الصالحين ومواضع الفضل]
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.
وبعد: قال الإمام النووي رحمه الله: [باب زيارة أهل الخير ومجالستهم، وصحبتهم، ومحبتهم، وطلب زيارتهم، والدعاء منهم، وزيارة المواضع الفاضلة].
روى الإمام مسلم عن أسير بن جابر رضي الله عنه، (أن أهل الكوفة وفدوا على عمر رضي الله عنه، فقال عمر: هل هاهنا أحد من القرنيين؟ فجاء ذلك الرجل وكان يسخر من أويس فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن رجلاً يأتيكم من اليمن يقال له: أويس لا يدع باليمن غير أم له، قد كان به بياض فدعا الله فأذهبه عنه إلا موضع الدينار أو الدرهم، فمن لقيه منكم فليستغفر لكم).
وفي رواية: (إن خير التابعين رجل يقال له: أويس، وله والدة، وكان به بياض، فمروه فليستغفر لكم).
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: (استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة، فأذن لي، وقال: لا تنسنا يا أخي من دعائك، فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا).
وفي رواية: (قال: أشركنا يا أخي في دعائك) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور قباء راكباً وماشيا، فيصلي فيه ركعتين) متفق عليه.
وفي رواية: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء كل سبت راكباً وماشيا، وكان ابن عمر يفعله).
والمعنى: أن المؤمن يصاحب من يحبه في الله سبحانه وتعالى، ويزوره في الله، ليس لهدف من الدنيا، ولا لتسامر ولا لتضييع وقت، وإنما زيارة محبة في الله تبارك وتعالى.
فيحب أهل الخير وأهل الفضل، ويصحبهم، ويجالسهم، ويزورهم، ويدعو لهم، ويطلب منهم أن يدعو له، إلى غير ذلك مما يكون فيه الفضل.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا منتنة).
متفق عليه.
وفيه مثال لنوعين من الأصدقاء والأصحاب: النوع الأول: وهم الذين يتآخون في الله سبحانه وتعالى، فيجتمعون عليه، ويتفرقون عليه، فلهم أجر عظيم عند الله سبحانه.
وهذا الإنسان تستفيد منه كلما لقيته، ولو بالتسليم عليه، ولو بأن يدعو لك، فهو مثل حامل المسك، إما أن تنتفع منه بريح طيبة، وإما أن تشتري منه، وإما أن يهبك ويعطيك من المسك الذي معه.
والنوع الآخر: صديق السوء، وهو الذي إذا جالسته لم يزل يتكلم عن فلان، ويغتاب فلان، وهكذا.
فيؤذيك بذلك.
فإما أن تنكر عليه وتنجو، وإما أن تسكت فيهلكك وتهلك معه.
فهو مثل نافخ الكير، أي: الحداد الذي ينفخ الكير، فإذا جلست معه شممت منه رائحة خبيثة، أو أنه قد يحرق ثيابك، أو يلوثها بما معه من نار وما معه من أذى.
ولذلك فالإنسان المؤمن يصاحب المؤمنين، ويرجو الخير من وراء ذلك، ويحذر الإنسان المؤمن من السخرية من أحد من المسلمين، فلعله يسخر من إنسان وهو أفضل منه، وكان الأولى بدلاً من أن يسخر منه، أن يطلب منه أن يدعو له.