[شرح حديث:(إذا كانت الجنازة صالحة قالت: قدموني قدموني)]
ومن الأحاديث في ذلك ما جاء في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم: فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها أين تذهبون بها، ويسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها لصعق).
فهذا حديث عظيم يخيف الإنسان المؤمن، وكم من جنائز تأتي ويصلى عليها وترفع ويمشي بها الإنسان ولا يتدبر ما صار إليه الميت، فهو الآن محمول على نعشه، وموثق في كفنه، فلا يقدر أن يفر ويفلت، فماذا سيحصل له؟! فالإنسان المؤمن يرجو رحمة رب العالمين سبحانه وأن يساعده عند خروج الروح.
والإنسان الكافر الفاجر يرى العذاب من أول خروج روحه، فهنا إن كانت صالحة احتملها الناس على أعناقهم وقالت:(قدموني قدموني)، فالمؤمن الصالح يتشوق للجنة ويتشوق للنعيم الذي عند رب العالمين، فالملائكة تبشره من ساعة خروج روحه وتقول له:(اخرجي أيتها النفس الطيبة إلى روح من الله وريحان، ورب غير غضبان) فيستبشر المؤمن بذلك، وقد تخرج نفسه بعرَق الجبين، أي: بتعب وشدة ومشقة، وهذا يرفع درجته عند الله عز وجل، فهو فرحان بذلك وإن شدد عليه حتى يصل إلى جنة رب العالمين.
وأما الإنسان الفاجر الكافر العاصي فيقول عن نفسه كما قال هنا النبي صلى الله عليه وسلم:(قالت: يا ويلها) يعني: هذا الإنسان يتكلم عن نفسه، والنبي صلى الله عليه وسلم ما قال عن نفسه: يا ويلي، وإنما حكى قول هذا الفاجر والعاصي أنه يقول عن نفسه:(يا ويلها أين تذهبون بها)، والأصل: يا ويلي أين تذهبون بي، فمن ساعة خروج روحه أتت له الملائكة بكفن من النار، وحنوط من النار، ويخلو هذا الإنسان برائحته العفنة، فيصعدون به إلى السماء فلا تفتح له أبواب السماء كما ذكرنا قبل ذلك.
فهذا الإنسان يصرخ وهو فوق نعشه ولا أحد يسمعه حتى يصل إلى قبره وهو يصرخ ويقول: أين تذهبون بها؟ ويسمع صوتها كل شيء كالبهائم، ولا يسمعه الإنس والجن، ولو سمعه الإنسان لصعق من صوته البشع؛ من شدة خوفه ورعبه.
وقد أمرنا بشهود واتباع الجنازة حتى نعتبر، وكان الصحابة رضوان الله عليهم إذا حضروا جنازة لا يعرف أهل الميت من غيرهم فالكل يبكي من هذا اليوم، وخوفاً من هذا المكان وهو القبر وما يكون فيه، لذلك فالجنازة عبرة للإنسان المؤمن، فإذا ذهب إلى القبور وسلم عليهم نظر وعلم أن هذا مآله ومصيره، وتخيل في القبور وما فيها، يقول الله تعالى:{أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا}[المرسلات:٢٥] أي: أنها كفتتهم وضمتهم فوقها وتحتها أحياء وأمواتاً.
فالمؤمن يتعظ مهما حصّل من الدنيا من نعيم ومن قصور، ويعد نفسه للدار الآخرة ولنعيم رب العالمين بطاعة الله سبحانه، وبالبعد عن معاصي الله سبحانه، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من شقي في بطن أمه.