للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل الصلاة على الميت، وتشييعه، وحضور دفنه]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الصلاة على الميت، وتشييعه وحضور دفنه، وكراهة اتباع النساء للجنائز].

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط) أي: من حضر الجنازة وذهب إلى بيت الله عز وجل ليصلي عليها، أو في أي مكان يصلى فيه على الميت، وشهد الميت حتى صلى عليه فله قيراط من الأجر.

قال صلى الله عليه وسلم (ومن شهدها حتى تدفن) أي: من شهد الجنازة من أول ما يصلى عليها حتى تدفن، قال: (فله قيراطان.

قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين).

أي: جبلين من الأجر والثواب عند الله عز وجل.

ولذلك يحرص العبد المؤمن على حضور الجنائز، خاصة جنائز المؤمنين الصالحين، فيصلي عليهم، ويدعو لهم، ويشهد الجنازة حتى يدفنها؛ وذلك ليرجع بهذا الأجر العظيم، فإذا تعذر عليه ذلك صلى على الميت؛ ليكون له نصف هذا الأجر.

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اتبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً) وهذا شرط وقيد.

فقوله: (إيماناً) أي: مصدقاً مؤمناً بأن هذا الاتباع فيه أجر من عند الله سبحانه وتعالى ومصدقاً لما قاله النبي صلى الله عليه وسلم.

(واحتساباً) أي: يرجو الأجر من الله.

فمن حضر الجنازة حرجاً من الناس الذين يأتون ويشهدون الجنازة، فلا أجر له.

ولذا فعليك أن تصلح نيتك حال حضور الجنازة، وأن لا تهتم بالناس من حولك، فتحسن صلاتك لأنهم يرونك، فهنا الشيطان قد دخل عليك، وسوف يضيع عليك أجر الصلاة، فغير نيتك، واستغفر ربك، وأخلص لله سبحانه، وتعوذ بالله أن تعمل عملاً لغيره سبحانه.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً أعلمه، وأستغفرك لما لا أعلمه).

فإذاً: لابد أن تغير النية في الحال، واحضر الجنازة ولا تتركها، ولا تكن نيتك الحضور لأن الناس حضروا، ولكن اجعل نيتك أن تحضر اتقاء غضب الله سبحانه وتعالى، وابتغاء مرضاته.

ولو كان نيتك حضور الجنازة لكي يراك فلان ويفرح لحضورك هذه الجنازة، فهذه نية طيبة حيث تطيب قلب أصحاب الميت وأهله، وهذا من باب ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم لما قام على القبر وقال للحافر: (وسع من هاهنا، وسع من هاهنا) يقول له: حسن القبر والتفت لمن حوله وقال: (أما إنه لا يفعل بالميت شيئاً) يعني: من توسيع القبر أو تضييقه، لن يفعل بالميت شيئاً ولكن يطيب بذلك قلوب الأحياء، حيث يرون النبي صلى الله عليه وسلم مهتم بميتهم، ويقول: أوسع القبر واحفر جيداً، اعمل كذا مع أن هذا لا يعمل للميت شيئاً، فالميت ينضم عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، ثم يفرج الله عز وجل عنه بعد ذلك، نعوذ بالله من ضيق القبر، ومن حفر النيران في القبور.

فالقبر إما روضة من رياض الجنة واسعة فسيحة، وإما حفرة من حفر النيران على صاحبه.

فإذا حضرت الجنازة واستحضرت نواياك، وآمنت بالثواب، واحتسبت الأجر عند الله، ونويت بحضورك إلى جانب تلك النية إفراح أهل الميت بوجودك معهم، فلا مانع من مثل هذا الشيء، طالما أنك لا تبتغي الرياء والسمعة بذلك وإنما تبتغي تطييب قلوب الناس بمثل هذا الشيء.

نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.