للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (إن المقسطين عند الله على منابر من نور)]

روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن المقسطين عند الله على منابر من نور، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا) (إن المقسطين) أي: أهل العدالة الذين يعدلون، والمسلم يعدل مع من يحب ومع من يبغض، يعدل مع صديقه، ويعدل مع عدوه، يقول الله سبحانه تبارك وتعالى للمؤمنين: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا} [المائدة:٢]، أي: لا يدفعنكم بغضكم لهؤلاء الكفار إلى عدم العدل، فاعدل مع كل الناس، كن عدلاً مع أقربائك ومع الغرباء عنك، مع أصدقائك ومع أعدائك، اعدل كما أمر الله سبحانه تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء:١٣٥] لم يقل: كونوا قائمين، بل قال: (كونوا قوامين) أشد القيام وأعظم القيام أن تقوم في دين الله سبحانه، وتقوم لأمر الله، وتكون قائماً بالقسط تعدل بين الناس، {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ} [النساء:١٣٥]، إذا طلبت منكم الشهادة فاشهدوا بالحق حتى ولو كانت هذه الشهادة تضركم أنتم، {وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ}، فتشهد بالعدل ليأخذ كل ذي حق حقه، ولا تقل: لو شهدت بالحق سيضيع هذا المال الذي عند أبي أو عند أمي وهو مال غصب أو مال سرقة، فاشهد بالحق ليرجع المال إلى صاحبه، ويكون لك الأجر عند الله.

ولا تقل: فلان هذا مسكين فقير، لو شهدت عليه فستضرر، الله عز وجل يقول لك: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} فالإنسان قد يحجم عن الشهادة ويقول: فلان غني، ويمكن بماله أن يضرني بعد هذا! أو يقول: فلان هذا فقير سيضيع بشهادتي عليه، ويصعب علي أن أشهد عليه، فمن أولى بهذه الرحمة أنت أم الله سبحانه تبارك وتعالى؟ الله يقول: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا}، فأنت مأمور بطاعة الله سبحانه، فتشهد بالقسط وبالعدل والله أولى بهؤلاء وسيعاملهم سبحانه بما يريد.

قال تعالى: {فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} [النساء:١٣٥]، فاحذر أن تتبع هواك فتترك العدل، {فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا} [النساء:١٣٥]، {وَإِنْ تَلْوُوا}، أن يلوي الإنسان جانبه، ويبتعد عن دين الله سبحانه فالله خبير بما تصنع وتفعله، {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا}، إن تلووا هذه الشهادة أو تعرضوا عنها فالله أولى بذلك سبحانه وهو خبير ويعلم ذلك سبحانه.

قال عليه الصلاة والسلام: (المقسطون عند الله على منابر) المنابر هي الكراسي العالية، فيجعل الله عز وجل له منبراً يوم القيامة يجلس عليه، وهذا الكرسي من نور، فما صفاتهم؟ قال: (الذين يعدلون في حكمهم)، الولاة والأمراء والحكام الذين يحكمون فيعدلون بين الناس في حكمهم، لكن هل كل الناس حكام؟ لا، ولذلك قال: (الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم) رجل يعدل مع أولاده وبناته، فيعطي هذا ويعطي هذا، لا يميز البعض على الآخر، يعدل مع أولاده ومع أهله، يتزوج أكثر من واحدة فيعدل مع هذه وهذه، هذه لها ليلتها، وهذه لها ليلتها، يعدل مع أبيه ومع أمه، فيظهر المحبة لهذا ولهذا، ولا يميز بينهما فيغضبهما فيكون ذلك من العقوق، فهو يعدل مع أهله، ويعدل في حكمه، يعدل في ولايته، وفي كل ما تولى عليه فهو يعدل فيه.