[أكثر أهل الجنة من الضعفاء]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام النووي رحمه الله: [باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء والخاملين: قال الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} [الكهف:٢٨].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنه ليأتي الرجل السمين العظيم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة) متفق عليه.
وعنه: (أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد، أو شاباً، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها أو عنه فقالوا: مات.
قال: أفلا كنتم آذنتموني؟ فكأنهم صغروا أمرها أو أمره.
فقال: دلوني على قبره.
فدلوه فصلى عليها، ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله تعالى ينورها لهم بصلاتي عليهم) متفق عليه].
ذكرنا هذا الباب في حديث سابق وهو: فضل ضعفة المسلمين والفقراء والخاملين، وذكرنا أن المرء في الدنيا يحب أن يصاحب الأقوياء، ويحب أن يصاحب الأغنياء، ويحب أن يصاحب من هو مثله، فجاء القرآن وجاءت السنة لتبين لنا الإيمان الحقيقي لمن تصحبه وتحبه وتحافظ على صداقته وإخوته.
فذكر لنا هنا فضل الضعفاء من المسلمين، والمقصود بالضعيف هنا من لا يؤبه له، وقد يكون عند الله عز وجل عظيماً، قد لا يعرفه أهل الأرض وتعرفه ملائكة السماء، فعلى ذلك لا ينظر إليه ضعيفاً أو مريضاً أو فقيراً أو إنساناً خاملاً في الناس، والمصنف هنا يذكر فضل هؤلاء الضعفة والفقراء من المسلمين والخاملين، والخامل هو من ليس مشهوراً، ولا يبتغي الشهرة عند الناس.
وسبق أن ذكرنا أن من الصحابة من كانوا على هذا الحال رضي الله تبارك وتعالى عنهم جميعاً، ومنهم صهيب وبلال وعمار وخباب، والبعض من العرب كانوا يريدون أن يدخلوا في هذا الدين ولكنهم استكبروا أن يجلسوا في مجلس واحد مع هؤلاء الفقراء الضعفاء الذين يدنيهم النبي صلوات الله وسلامه عليه، فمن هؤلاء الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن وكانا كبراء قومهما، فأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:٢٨]، يعني: لا تبتعد وتعد عينيك عن هؤلاء الضعفاء والفقراء والزمهم فهم أولى بك؛ لأنهم يريدون الله ورسوله صلوات الله وسلامه عليه.
أما هؤلاء الجبارون والمتكبرون والكبراء في قومهم إذا كانوا لم يتوبوا إلى الله عز وجل، ولم يعرفوا حقيقة الدنيا وأن الغنى ليس شيئاً، فالله فوقهم وهو الغني الحميد سبحانه وتعالى؛ وقوة الإنسان لا تفيد شيئاً، والله القوي فوق كل قوي، والقهار الجبار فوق كل إنسان فيه جبروت وقوة، فلو لم يعرف الإنسان ذلك فلا يستحق أن يصاحب.
ومن يتق الله فله منزلة عظيمة عند الله عز وجل، وليس معنى ذلك أن الإنسان يطلب الفقر مثلاً، أو يسأل ربه أنه يجعله فقيراً، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من الفقر، ويقول: (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر لا إله إلا أنت).
فإذا كان الله أغنى إنساناً فليحمد ربه على ذلك ولا يطلب الفقر، وإذا أفقره الله عز وجل فعليه أن يأخذ بأسباب الغنى والرزق، ويحمد ربه على ما هو فيه، قد يفقره ويعطيه صحة، وقد يفقره يمنعه الصحة ويعطيه قوة الإيمان، فالله عز وجل حكيم في جميع أفعاله سبحانه وتعالى.
انظروا إلى احتجاج الجنة والنار، فكل واحدة تذكر نصيبها من الناس، فالنار تقول: في الجبارون والمتكبرون.
وهذا مناسب لها، فهي قوية جبارة تقهر من فيها، فناسب أن يجعل الله فيها الجبارين والمتكبرين في الدنيا.
والجنة قالت: في ضعفاء الناس ومساكينهم.
فقال تبارك وتعالى للجنة: (إنك رحمتي أرحم بك من أشاء، وقال للنار: إنك عذابي أعذب بك من أشاء).
إذاً: ربنا خلق هذه ليرحم بها من يشاء، وخلق هذه ليعذب فيها من يشاء.
إذاً أهل الجنة هم ضعفاء الناس ومساكينهم، هذا في الغالب، وقد يكون فيها الأغنياء مثل عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضي الله تبارك وتعالى عنهم، هؤلاء من مياسير الصحابة، والله تعالى أنعم عليهم بنعم في الدنيا، وشهد النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالجنة.