يقول الإمام النووي رحمه الله:[باب العفو والإعراض عن الجاهلين].
ويجوز أن تقول في أي باب من الأبواب إما على الإضافة أو على الابتداء والخبر، فتقول: باب العفو والإعراض عن الجاهلين، ويجوز أن تقول: باب العفو والإعراض عن الجاهلين.
قال الله تعالى:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}[الأعراف:١٩٩] هذا أدب عظيم، ومثل هذه الآداب كان يسمعها المشركون فيعرفون أن هذا الدين عظيم، وعندما كان يسأل أحدهم النبي صلى الله عليه وسلم: ما هو هذا الدين الذي أنت عليه؟ وماذا أنزل عليك من القرآن؟ كان يقرأ عليه الآية:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ}[النحل:٩٠] فيشعر أن هذا الدين دين عظيم، فيدفعه ذلك إلى أن يدخل في هذا الدين، أو على الأقل أن يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ما الذي يقول.
قال سبحانه:{خُذِ الْعَفْوَ}[الأعراف:١٩٩]، يعني: ليكن خلقك الأخذ بالعفو دائماً، فمثلاً إذا خيرت بين شيئين إما أن تعفو أو تنتقم فخذ العفو واختر الأسهل، وكن على هذا الخلق العلي، قال تعالى:{وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}[الأعراف:١٩٩]، يعني: بما جاء في شريعة رب العالمين.
قال تعالى:{وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}[الأعراف:١٩٩]، أي: عن أهل الجهل والصخب والجدل والباطل، فهم لا يستحقون أن تجيبهم مجادلاً لهم، ولا ينفعهم ذلك.
وعندما كانت وفود العرب تقدم على النبي صلى الله عليه وسلم كان فيهم شعراء وخطباء، وكانوا يأتون للمفاخرة، ويقولون: أتينا نفاخرك، فمن يتكلم أولاً نحن أو أنت، ويريدون أن يخطب هو، ويريدون أن يقولوا شعراً ويقول مثله.
فلم يكن يجيبهم إلى ذلك صلى الله عليه وسلم أبداً، وإنما كان ينتدب رجالاً من أصحابه ليردوا عليهم، فكان حسان يجيبهم في الشعر، ويرد عليهم به رضي الله تبارك وتعالى عنه، ثم يقوم خطيب النبي صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس يخطب أمامهم، أما هو فكان منزه عن ذلك صلى الله عليه وسلم، فأمره الله عز وجل بالإعراض عمن فيه جهل من الناس، وعمن لا يعرف قدره صلى الله عليه وسلم.